مجلة معاوية بن أبي سفيان
مجلة معاوية بن أبي سفيان

قتال الفتنة أم قتال الانحراف؟

تاريخ النشر: ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٥
وقت القراءة: دقيقة واحدة قراءة
رضا شرارة
كاتب المقال: رضا شرارة
عدد المقالات:
قتال الفتنة أم قتال الانحراف؟

قتال الفتنة أم قتال الانحراف؟ قراءة تصحيحية في ضوء ميزان الشورى

ظلّ الخطاب العلوي–الكوفي يقدّم الجمل وصفّين باعتبارهما «فتنة»، ويتجاهل القاعدة الكبرى التي قام عليها الحكم الراشدي: ميزان الشورى. والحقيقة التي تُخيف هذه المدرسة هي أن كبار الصحابة لم يقاتلوا عليًا عبثًا أو طمعًا، بل وقفوا أمام انحراف عقدي–سياسي ضرب قلب الشرعية، وعطّل القصاص، وسمح للغوغاء الذين قتلوا عثمان أن يصبحوا قوة نافذة داخل الجيش والدولة.

١ — غصب الخلافة بلا شورى: لحظة انقلاب على المنهج الراشدي

الخلافة الراشدة قامت على شورى واضحة لا لبس فيها. أبو بكر بويع بشورى المهاجرين والأنصار، وعمر عُيّن بنصّ الخليفة، ثم جعلها في الستة المشهود لهم. لكن عليًا قبل الخلافة في لحظة ارتباك سياسي دون حضور أهل الحل والعقد، ودون الآلية التي حددها عمر، وهو ما جعل البيعة غير ملزمة في نظر كبار الصحابة.

«ليس كقتالكم على الملك» — كلمة ابن عمر التي أسقطت الرواية العلوية كاملة.

ابن عمر لم يقلها عبثًا، بل لأنه رأى أن طريقة تولّي علي خالفت قواعد الشورى التي أقام عليها النبي ﷺ والخلفاء الراشدون نظام الحكم.

٢ — تعطيل القصاص بعد مقتل عثمان: أصل الانفجار

طلحة والزبير ومعاوية لم يقاتلوا لملك أو دنيا، بل قاتلوا لأن عليًا عطل شرع الله في القصاص. قتلة عثمان كانوا معروفين، وشهادات كبار الصحابة عليهم ثابتة. ومع ذلك:

  • لم يُقم عليهم الحد،
  • لم يسلّمهم لأوليا الدم،
  • بل قُرِّبوا وأُدخلوا في الجيش،
  • وبعضهم تولّى الولايات!

هذا الانحراف هو الذي فجّر الغضب في الأمة، وهو الذي دفع أم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير للخروج إلى البصرة، ثم دفع معاوية — وليّ الدم الشرعي — إلى المطالبة بالقصاص.

٣ — الجمل: اعتراض شرعي لا خروجًا سياسيًا

لم تخرج أم المؤمنين ولا طلحة ولا الزبير طلبًا للدنيا، بل خرجوا يطالبون بالقصاص لعثمان وإعادة ميزان الشورى إلى وضعه الصحيح. معركة الجمل — في ميزان الحق — ليست ثورة، بل وقفة إصلاحية.

٤ — صفّين: معركة حدود السلطة وحق أولياء الدم

معاوية لم يرفض بيعة علي تعنتًا، بل لأنه وليّ دم عثمان شرعًا، ومسؤول أمام الله عن المطالبة بالقصاص. وكان يتكلم من موقع شرعي: «إنما نقاتلكم على دم عثمان.» فالمعركة لم تكن صراعًا قبليًا، بل محاولة لإعادة الأمة إلى الشرع.

٥ — أين تقع آية {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}؟

هذه الآية حاولت المدرسة العلوية إسقاطها على قتال علي، لكن إجماع الصحابة والتابعين والمفسرين — من الطبري إلى ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد — هو أن الفتنة تعني:

الشرك والكفر وإجبار المسلم على ترك دينه.

لا دخل لها بمعارك سياسية داخلية، ولا بقتال على السلطة، ولا بتأويلات الكوفيين التي شرعنت الدماء.

٦ — الصحابة الكبار قاتلوا عليًا لصدّ انحراف… لا لأنهم أهل فتنة

طلحة، الزبير، أم المؤمنين، معاوية… أئمة هدى، عرفوا النص، وعرفوا الشرع، وعرفوا خطورة ترك القصاص. ولم يروا في قتالهم لعلي «فتنة» بل واجب إصلاحيًا لمنع انكسار ميزان الحكم الراشدي.

٧ — الفكرة المركزية لإحياء الأمة اليوم

فهم هذه الحقيقة التاريخية ليس ترفًا علميًا… بل هو مفتاح نهضة الأمة:

  • الفتنة = الشرك لا السياسة.
  • القتال السياسي ليس جهادًا.
  • لا شرعية بلا شورى.
  • لا دولة بلا قصاص.
  • ولا إصلاح مع تعطيل حدود الله.

وهذا بالضبط ما وعاه الصحابة الكبار حين وقفوا أمام علي، فكان موقفهم صمام أمان للأمة، لا صراعًا على الملك كما زعمت الروايات المتأخرة.

الخلاصة

قتال علي لم يكن «فتنة»… بل كان وقوفًا أمام انحراف عقدي وسياسي مزّق الشورى، وأفلت القتلة، وأدخل الأمة في مسار مظلم. أما آية {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} فهي نزلت لقتال المشركين لا لإدارة نزاع داخلي على السلطة.

إحياء هذا الفهم هو خطوة الأمة الأولى نحو استعادة رشدها السياسي والعقدي.

مجلة معاوية بن أبي سفيان

منصّة بحثية نقدية بلا مجاملات؛ نقول الأشياء كما هي ونحتكم إلى الدليل.

تحقيقات مسندة نقاش منضبط بلا تجريح خصم ‎17%‎ على السنوي