مجلة معاوية بن أبي سفيان
مجلة معاوية بن أبي سفيان

من أوسلو إلى طوفان الأقصى: سقوط الوهم الشيعي وعودة البوصلة من دمشق إلى القدس

من أوسلو إلى طوفان الأقصى: سقوط الوهم الشيعي وعودة البوصلة من دمشق إلى القدس
رئيس  تحرير مجلة معاوية أبن ابي سفيان
✍️ كاتب المقال:
٠٩ أكتوبر ٢٠٢٥ · دقيقة واحدة
جميع المقالات ملف الكاتب

اليوم بعد توقف الحرب في غزة: إنجازات، تنبيهات، وقراءة في جذور الإخفاق

مع تهدئة النار وتوقف العمليات الكبرى في غزة، لا بدّ من وقفة تأملٍ مزدوجة: إزاء الإنجازات الميدانية والروحية التي خلّفها «طوفان الأقصى»، وبالنفس الوقت إزاء التنبيهات السياسية التي تحذر من تكرار أخطاء الماضي إذا لم نتعلّم الدرس.

في هذا السياق نقف على نقطتين محوريّتين: أولًا، الانتباه إلى فخّ “التهدئة المشروطة” بنكهة اتفاقيات أوسلو الحديثة؛ وثانيًا، إعادة قراءة العلل البنيوية التي أوصلت الأمة إلى هذا التمزّق، ونشير هنا — بصراحة نقدية — إلى أن التشيّع المذهبي والتحالفات الطائفية لعبت دورًا مركزيًا في سلسلةٍ من الاختراقات والخيانات التي أضرت بمشاريع الأمة عبر التاريخ، بدءًا من المراحل المبكرة بعد مقتل عثمان إلى اليوم.

أ. تحذير من الفخّ السياسي: أوسلو جديد و«أكل الضفادع»

وقف إطلاق النار برعاية أميركية يعيد مشهدًا مألوفًا: تهدئة إنسانية مقابل وعود مراقبة، إغاثة مقابل شروط، ونزع سلاح مقابل “إعمار” تحت وصاية خارجية. هذه وصفة «أكل الضفادع» التي تُفقد الضحية قدراتها تدريجيًا دون صدمة صفرية:

  • تهدئة مؤقتة تتحوّل إلى إدارة يومية تحت رقابة دولية.
  • وعود إعمار مشروطة لا تُغير وقائع الاستيطان أو تقطع التنسيق الأمني الذي يعيد إنتاج الاحتلال بصيغٍ إدارية.
  • محاولاتٌ لنزع أوراق الفاعلية من حركات المقاومة عبر إلزامها بتسليم رموز قوتها بينما تبقى الشبكات الحقيقية بعيدة عن الشفافية.

التاريخ معطىٌ مرير: بعد اغتيال مسؤولين ومحاورين (كما حدث مع أبو جهاد في تونس) تراجع جناح المقاومة داخل قيادة فتح، وتحولت المنظمة تدريجيًا إلى جهاز إداري يتعاون أمنياً مع الاحتلال، فيما استمرّ الاستيطان وتقلّص الأفق الوطني.

ب. تنبيه استراتيجي: الجهاد الإسلامي وورقة التوازن

العنصر الأكثر تعقيدًا في المشهد الراهن هو حركة الجهاد الإسلامي؛ القوة التي رفضت من البداية الانخراط في منطق التسوية الجزئية، وما تزال تقف خارج «مسارات أوسلو» المكرّرة. وجودها اليوم ليس «عائقًا» بمعناه السطحي فحسب، بل حلقة ربطٍ استراتيجية بين المكوّن السني المقاوم والمحور الإقليمي الذي تهيمن عليه طهران.

هنا تتقاطع مصالحٌ دولية إقليمية: بعض القوى الغربية والإقليمية قد تتسامح مع استمرار وجود مثل هذه الجماعات كـ«ورقة ضغط» أو كأداة توازن، بدلًا من أن تُعالَج كجزء من حلٍ سياسي حقيقي يضمن العدالة والدولة. وبهذا تُترك الساحة لحالة من الفوضى المدبّرة التي تُبرّر استمرار سياسات الاحتلال والهيمنة.

ج. جذور الإخفاق: قراءة نقدية في دور التشيّع والتحالفات الطائفية

لا يغدو النقاش كاملاً دون الوقوف عند جوهرٍ تاريخيّ طويل الأمد: التشيّع كظاهرة سياسية ومذهبية (بأشكاله الإقصائية والتحالفية في بعض مراحل التاريخ الحديث) ساهم، في قراءاتٍ عديدة، في إخفاقاتٍ استراتيجية للأمة عبر إذكاء الانقسامات، واستثمار القضايا القومية لمشاريع نفوذٍ إقليمي.

نحن لا نُجرّم الأفراد على مذهبهم، بل ننتقد منهجًا وسياسةً استخدمت الدين ستارًا لغايات جهوية وسياسية أدّت إلى:

  • اختراق بنى الحكم والمقاومة لصالح مشاريع إقليمية،
  • تقويض وحدة الموقف العربي والإسلامي أمام ملفات المصير القومي،
  • تمرير أو دعم محطاتٍ اضطرابية أضرت بفلسطين والمنطقة بقدر ما خدمتها ظاهريًا.

وفي هذا الإطار نؤكّد أن التحالفات البراغماتية بعض الأحيان بين فصائل فلسطينية وقوى إقليمية — رغم تاريخ هذه القوى من المجازر أو القمع في العراق واليمن وسوريا — هي خيار تكتيكي قصير النظر. إن الوقوع في حضن نفوذٍ طائفي أو إقليمي مقابل سلاحٍ أو غطاءٍ إعلامي هو خُسارة للقيم: العدل، والإيمان، والمروءة، والتاريخ. هذا ما جعل بعض الفصائل تُخذل رموز الأمة وتصدّق مصالحا مرحلية على حساب الثوابت.

د. حصاد “طوفان الأقصى”: إنجازات لا تُمحى

مع ذلك، لا ننكر الحصاد الكبير للطوفان على مستوى الوعي والرمزية:

  • انكسار هيبة الردع الإسرائيلي وتحويل السردية الدولية تجاه القضية الفلسطينية.
  • كشف أقنعة الأنظمة والجماعات التي ادعت المقاومة بينما كانت جزءًا من منظومة مصالح مُمزّقة.
  • إجهاض مشاريع التطبيع المفضوحة: الاتفاقيات الإبراهيمية وفكرة “العيش المشترك” لم تعد قابلة للبيع كقيمة أخلاقية بعد أن انكشفت حقيقتها أمام شعوب الأمة.
  • فضح الممارسات الإقليمية: ظهور صور واضحة لدور بعض القوى في تغذية الصراعات داخل الأمة باسم «المقاومة» بينما تستثمر في مشاريعٍ طائفية لا تخدم الحرية العربية.
  • البعد الروحي: اصطفاء الشهداء ومكانتهم، وتأكيد أن قيمة الفداء والصدق لا تُقدّر بثمن؛ كما قال الحق في كتابه:
“۞ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)” (آل عمران: 140).

ه. خاتمة وتوجيه للوعي الفلسطيني: الطريق إلى القدس من دمشق ومن ثم الجبهات العثمانية

اليوم، بعد هذا الموقف المركّب من التهدئة والإنجاز والخيبات، يجب على الأمة وفصائلها أن تتعظ:

  • لا خلاص دائمًا في موائد التفاوض إذا لم تُدرَك العدالة السياسية والحقّ الوطني؛
  • لا خلاص في التحالفات الطائفية التي تُغتال المشروع الوطني؛
  • الطريق الحقيقي نحو القدس هو طريق وحدة الأمة وتوحيد الجبهات، لا إضعافها.

ونقول صراحة: لعلّ البوصلة الروحية والسياسية الصحيحة تشير إلى أن البداية الحقيقية للتحرّر يجب أن تبدأ من الجامع الأموي الشريف في دمشق المباركة، حيث تتجاذب الذاكرة التاريخية، ومن ثم تنتقل الطاقة إلى الجبهات العثمانية المتجددة في مصر وغزة وتركيا والحجاز والعراق بعدما تتحرّر هذه الساحات من اختراقاتٍ وأذرعٍ تُفقدها هويتها ومشروعها.

في النهاية، نأمل أن ينتشر الوعي بين الإخوة الفلسطينين: أن القدس لن تُتحقّق إلا بوحدةٍ ضاربةٍ في عمق الأمة، وبمنهجٍ يضع العدل والإيمان والكرامة فوق كل حسابٍ مرحلي. ولا خلاص لنا إلا بما يجمع الأمة على مشروعٍ واضح لا يحتمل أي وصاية خارجية أو تصفيةٍ لمقوّمات المقاومة الحقيقية.

مجلة معاوية بن أبي سفيان

منصّة بحثية نقدية بلا مجاملات؛ نقول الأشياء كما هي ونحتكم إلى الدليل.

تحقيقات مسندة نقاش منضبط بلا تجريح خصم ‎17%‎ على السنوي