مجلة معاوية بن أبي سفيان
مجلة معاوية بن أبي سفيان

بين سطوة الشهرة ومبضع النقد: تفكيك حديث «لا يحبك إلا مؤمن»… وفضح عِلّة «إمام مسجد الرافضة»

تاريخ النشر: ٠١ ديسمبر ٢٠٢٥
وقت القراءة: دقيقة واحدة قراءة
رضا شرارة
كاتب المقال: رضا شرارة
عدد المقالات:
بين سطوة الشهرة ومبضع النقد: تفكيك حديث «لا يحبك إلا مؤمن»… وفضح عِلّة «إمام مسجد الرافضة»

بين سطوة الشهرة ومبضع النقد: تفكيك حديث «لا يحبك إلا مؤمن»… وفضح عِلّة «إمام مسجد الرافضة»

مقدمة: حين تتحول الشهرة إلى حصن للباطل

في أبواب الفضائل والمناقب تتراكم الروايات عبر القرون كطبقة طحلبية فوق سطح ماء راكد؛ كثيفةٌ في الظاهر، هشةٌ في الحقيقة. وأحاديثٌ كثيرة اكتسبت هالة قدسية لا لأنها صحيحة، بل لأنها تكررت على الألسنة، ووُضعت في كتب الأدب والكلام، ثم ارتقت بمرور الزمن إلى رتبة «المسلّمات».

ومن هذه الروايات الحديث المنسوب إلى النبي ﷺ في شأن علي بن أبي طالب: «لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق».

الشيعة جعلوه ركيزة في العقيدة، والخطاب العباسي استخدمه لترسيخ سرديته السياسية، والمتأخرون نقلوه بلا نقد. لكن حين يوضع الحديث على طاولة علم العلل، يبدأ التشريح، ويتبين أن كل الضجيج بُني على ساق واحدة: عدي بن ثابت – قاصّ الشيعة وإمام مسجدهم بالكوفة.

وهكذا يظهر أن الحديث ليس بصحيح ولا قوي، بل مثال نموذجي على كيف تُصنع الشهرة ثم تُسوّق البدعة في ثياب الفضيلة.

أولاً: تشريح المصادر — بين المُخرّج الساذج والناقد الصارم

1. وهم “الصحاح” عند الأدباء والمعتزلة

ابن أبي الحديد المعتزلي، الذي يستشهد به الأميني، قال إن الحديث «مروي في الصحاح». لكن:

  • ابن أبي الحديد ليس محدثًا، بل متكلمًا معتزليًا.
  • مصطلح «الصحاح» عنده يعني «المشهور»، لا «الصحيح».

لذلك: حكمه لا وزن له في ميزان النقد الحديثي.

2. منهج الحشد في «الغدير»: الكثرة الكاذبة

الأميني في «الغدير» لم يحقق، بل جمع. وفي علم الحديث: هذا يسمى منهج حاطب الليل، يجمع الصحيح والضعيف والمنكر ثم يبني على الكثرة لا الجودة.

لكن النقاد يقولون: «طريق واحد صحيح أقوى من مئة طريق تالفة تدور على نفس السلسلة الشيعية».

وكل الطرق هنا — بلا استثناء تقريبًا — تعود إلى عدي بن ثابت.

3. النسائي في «الخصائص»: جمعٌ لا تنقيح

النسائي في «السنن» ناقد لا يضاهى، لكنه في «خصائص علي» كان يجمع روايات الباب مراعاةً لظروف عصره، لا التزامًا بشرطه المعروف. ولذلك لا يعتمد النقاد إخراجه للحديث هناك.

ثانيًا: العلة الكبرى — حين يسقط الحديث من أصل سنده

1. من هو عدي بن ثابت؟

الإمام الذهبي يقول:

«غَالٍ في التشيع… وقاصّ الشيعة وإمام مسجدهم».

ويقول ابن معين:

«شيعي مفرط».

ويقول الجوزجاني:

«مائل عن القصد».

هذا ليس "راويًا متشيعًا" عابرًا؛ إنه زعيم ديني شيعي، صاحب منبر وخطاب وتأثير.

2. قاعدة الذهب: تفرد المبتدع بما يؤيد بدعته = إسقاط الحديث

قاعدة النقاد المتقدمين ثابتة: «إذا روى المبتدع حديثًا يرفع بدعته وتفرّد به، فحديثه ساقط ولو كان ثقة في الحفظ».

وحديث «لا يحبك إلا مؤمن…» هو أساس العقيدة الشيعية في الولاء والبراء. والمتفرد به هو إمام مسجد الشيعة نفسه.

إذن: الحديث مرفوض بلا نقاش.

ولهذا قال البخاري (كما نقل الإشبيلي):

«هذه الأحاديث لا تصح عند أهل العلم بالحديث».

جملة واحدة نسفت «الغدير» وما حُشد فيه من مرويات.

ثالثًا: العلة المتنية — النسخة المزوّرة من حديث الأنصار

ابن تيمية لم يكتفِ بجرح الراوي، بل دقق في المتن نفسه، فوجد المفاجأة:

1. الأصل الثابت

«آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار».

حديث قطعي صحيح متفق عليه.

2. النسخة المزوّرة

نفس الصياغة… نفس التركيب… لكن هدف مختلف وسند واهٍ. قال ابن تيمية:

«حديثٌ قد شك فيه بعضهم، وهو يشبه حديث الأنصار».

أي: الحديث مأخوذ من فضائل الأنصار وأعيد سبكه لصناعة فضيلة جديدة تخدم الخط السياسي العلوي.

وهذه عادة شيعية معروفة: إعادة تدوير النصوص لصناعة مركزية لعلي لم يمنحها له الوحي.

رابعًا: لماذا تجاهله البخاري؟ — الإعراض أقوى من الرفض

البخاري اطّلع على الحديث، وكان باب الإيمان في صحيحه أحوج ما يكون لرواية كهذه… ومع ذلك: تجاهله تمامًا.

لم يخرجه في الأصول، ولا الفروع، ولا المتابعات، ولا حتى معلقًا.

والقاعدة عند النقاد: «إعراض البخاري عن الحديث مع قيام الحاجة إليه = إعلال صريح».

فلو كان صحيحًا لكان أولى بالإخراج من حديث الأنصار نفسه.

أما مسلم، فإخراجه لا ينقذ الحديث، لأن له أفرادًا تُنتقد، وهذا أحدها.

خامسًا: الواقع التاريخي يكشف زيف الحديث

لو كان الحديث صحيحًا:

  • لزم تكفير أو تفسيق آلاف الصحابة الذين قاتلوا عليًا.
  • طلحة، الزبير، البدريون، كبار المهاجرين والأنصار.
  • وهذا باطل بالعقل والنقل، وبسيرة علي نفسه.

فالمتن—قبل السند—يصطدم بالواقع ويكشف زيف الرواية.

سادسًا: تفكيك دعاوى المدافعين عن الحديث

1. «مروي في مسلم»

ليس كل ما في مسلم على شرطه، وبعض الأفراد تُنتقد، وهذا منها.

2. «عدي بن ثابت ثقة»

الثقة في الحفظ لا تمنع سقوط الراوي إذا روى ما يعزز بدعته — قاعدة متفق عليها.

3. «كثرة الطرق»

لا قيمة للكثرة إذا دارت كلها على رواة كوفيين شيعة — هذه كثرة غثائية.

4. «مروي في كتب الفضائل»

باب الفضائل أكثر الأبواب تساهلًا، ولا تُبنى عليه العقائد.

الخاتمة: سقوط الرواية وبقاء ميزان العلم

بعد هذا التفكيك:

  • السند معلول
  • والمتن مسروق
  • والبخاري أعرض
  • والنقاد أسقطوا الرواية
  • والتاريخ ناقض

فالحديث: معلول سندًا، ومتنًا، ودلالة، وواقعًا.

«هذه الأحاديث لا تصح عند أهل العلم بالحديث» — أبو بكر البخاري.

وبذلك يعود كل شيء إلى نصابه: الفضائل تُبنى على الصحيح، لا على الحشد المذهبي، والإيمان لا يُقاس بحب الأشخاص بل باتباع الحق.

المراجع

منهاج السنة النبوية – ابن تيمية (ج7/146-147)
الروض الأنيق – الإشبيلي (ص603)
ميزان الاعتدال – الذهبي (ترجمة عدي بن ثابت)
سير أعلام النبلاء – الذهبي
تهذيب التهذيب – ابن حجر
صحيح مسلم – كتاب الإيمان
مسند أحمد
خصائص النسائي
حلية الأولياء – أبو نعيم
الغدير – الأميني
شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد

مجلة معاوية بن أبي سفيان

منصّة بحثية نقدية بلا مجاملات؛ نقول الأشياء كما هي ونحتكم إلى الدليل.

تحقيقات مسندة نقاش منضبط بلا تجريح خصم ‎17%‎ على السنوي