وإذا المودة سُئلت بأي ذنب قُتلت، وبأي ذنب قُتل طلحة والزبير، وجمل أم المؤمنين؟
وإذا المودة سُئلت بأي ذنب قُتلت، وبأي ذنب قُتل طلحة والزبير، وجمل أم المؤمنين؟
مدخل قرآني وحديثي
الدماء في ميزان الوحي ليست كالأموال ولا كالأعراض، بل هي أعظم الحرمات بعد الشرك بالله. قال تعالى:
﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93]
وجاء في الصحيحين :
«لا تَرجِعوا بعدي كُفّاراً يَضرِبُ بعضُكم رِقابَ بعض» (البخاري 7080، مسلم 65).
فكيف يُستساغ بعد هذا أن تُسفك دماء خيار الصحابة عمدًا، وأن يُخاض في قتلهم بتبرير سياسي أو جدل مذهبي؟
طلحة والزبير: شهداء المروءة والإيمان
- طلحة بن عبيد الله: يوم أُحد، جاد بنفسه ويده حتى شُلّت ذراعُه وهو يذود عن رسول الله ﷺ. قال عنه النبي: «من أراد أن ينظر إلى شهيد يمشي على الأرض فلينظر إلى طلحة».
- الزبير بن العوام: حواريُّ النبي، يوم أُشيع أن الرسول قُتل، استلّ سيفه يريد استئصال قريش كلها، حتى علم أن محمداً ﷺ حيّ، فبكى من الفرح.
أيُعقل أن يكون جزاء هذين الجبلين من الإيمان والبطولة: القتل غدرًا وتصفية سياسية؟
بأي ذنب قُتلت المؤودة؟ وبأي ذنب قُتلا طلحة والزبير؟
حين خُنقت العدالة
بعد أن سُفك دم عثمان رضي الله عنه، ساد الصمت تحت عنوان “الفتنة”، وغُيّب القصاص وكأن الأمر حادث عرضي. لكن القرآن صريح:
﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾ [الإسراء: 33]
فلماذا طُمس سلطان القصاص لعثمان، ثم أُريقت دماء طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة في الجمل؟ أليس هذا قتل عمدٍ بعد عمد، مع سبق الإصرار؟
الوعيد القرآني والنبوي
- قال ﷺ: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم».
- وقال: «لو اجتمع أهل السماوات والأرض على قتل رجل مسلم، لأكبهم الله في النار».
- وقال: «من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله».
فكيف الحال بمن قاد جيوشاً ضد طلحة والزبير وأم المؤمنين، وسفك دماء مئات المسلمين في معركة الجمل؟
الشاهد الأكبر
ابن عباس رضي الله عنهما قال: «هي آخر آية نزلت وما نسخها شيء: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها…)».
فلا توبة عنده لقاتل المؤمن عمدًا. وإن اختلف الجمهور في قبول التوبة، يبقى النص شديدًا، والوعيد صارمًا، والدم المراق شاهدًا أمام الله يوم القيامة.
خاتمة حادة
إن التاريخ قد يُزوّر الأقلام، لكنه لا يمحو الدماء.
- دم عثمان يُسائلنا: لماذا غُيّب القصاص؟
- دم طلحة يُسائلنا: بأي جرم قُتلت اليد التي وقَت رسول الله ﷺ؟
- دم الزبير يُسائلنا: بأي ذنب قُتل حواريّ الرسول؟
- ودماء جمل أم المؤمنين تُسائلنا: بأي وجه قُدّم الإسلام يوم صارت حرمة عائشة ميدان حرب؟
فليجب أهل العقول: أهو قدرٌ لا مرد له؟ أم خيانة كبرى لقوله ﷺ:
«لا تَرْجِعُوا بعدي كُفّارًا، يضربُ بعضُكم رقابَ بعض»؟