سرقات القصر… من مشاهد الانقلابات الحديثة إلى فضيحة الاستيلاء على متاع عثمان بعد اغتياله
تخيّل عاصمة حديثة. قصر رئاسي محاصر منذ أسابيع من طرف معارضة شديدة التطرّف. بدأت القصة كمظاهرات سلمية، والملك أو الرئيس تعامل معها بصدر رحب لأنها تدخل ضمن حقّ الاعتراض السلمي. لكن شيئًا فشيئًا تحوّلت الجموع إلى مجموعات مسلّحة، تُضيّق الخناق على القصر، وتمنع الماء والغذاء، وتقطع خطوط الاتصال.
وفي قلب هذه الفوضى، تظهر شخصية سياسية منافسة للرئيس، تسرق منبر التلفاز الوطني، وتظهر بخطبة احتفالية في مناسبة وطنية—وكأن شيئًا لا يحدث! تتجاهل الحصار تمامًا، وتتصرّف كرجل دولة في لحظة فراغ، بينما رئيس البلاد محاصر ينتظر الموت.
بعد ثلاثة أيام فقط… يُقتَل الرئيس أبشع قتلة. تُنهَب ممتلكات القصر: هدايا الدولة، قطع أثرية، أسلحة رسمية… ثم تُوزّع بين رموز نفس المعارضة التي كانت تحاصر القصر.
هذا المشهد الصادم ليس خيالاً سياسياً. إنه بالضبط ما جرى لعثمان بن عفّان.
أولاً: مشهد دار عثمان في صحيح البخاري — الفضيحة التي لا يريدون كشفها
في صحيح البخاري (حديث 3989) نصّ واضح أن الخوارج الهمج حين اقتحموا دار الخليفة الشرعي عثمان بعد قتله، نهبوا متاعه، ومن بين المسروقات:
العَنَزَة — رمح صغير — كان رسول الله ﷺ قد طلبه من الزبير فأعطاه، ثم أخذه أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان.
السلسلة واضحة: نبي → أبو بكر → عمر → عثمان.
ثم تحدث الصدمة الكبرى:
«فلمّا قُتل عثمان أخذها أهل الفتنة… فكانت عند علي».
المتاع المنهوب من دار خليفة الأمة لم يذهب لورثته، ولا للزبير صاحب الرمح الأصلي… بل استقر عند علي.
لم يرجعه. لم يحقّق فيه. لم يُعِد الحق لأهله. بل بقي عنده إلى أن جاء عبدالله بن الزبير يطالب به بعد مقتل علي.
ثانياً: شهادة الوليد بن عقبة — وثيقة سياسية تُظهر الحقيقة
الوليد بن عقبة، أخو عثمان من أمّه، قال أبياتًا نارية أصبحت وثيقة تاريخية:
بَني هاشِمٍ كيفَ الهوادةُ بيننا؟ وعندَ عليٍّ سيفُهُ ونجائبُهُ!
سواءٌ علينا قاتِلاهُ وسالِبُهُ.
ليس هناك تأويل: سيف عثمان وممتلكاته عند علي. والوليد يرى أن من قتل عثمان ومن نهب متاعه سواء.
ثالثاً: لماذا يخاف الخطاب التقليدي من هذه الحقيقة؟
لأنها تهدم الرواية الرومانسية التي صُوِّر فيها قتلة عثمان كـ “ثوّار مظلومين”. وتهدم صورة علي كأنه كان "بعيدًا" عن الأحداث.
لكن الوقائع تقول:
- كبار المحاصِرين جاءوا من مصر والكوفة.
- قادتهم كمالك الأشتر أصبحوا من أقرب الناس إلى علي لاحقًا.
- علي لم يخرج بسيفه للدفاع عن الخليفة المحاصر.
- خطب للناس يوم العيد وكأن الرجل ليس محاصرًا ولا على وشك القتل!
- وبعد القتل… بقي المتاع المنهوب عنده.
رابعاً: المقارنة السياسية — مشهد الانقلاب بين الأمس واليوم
أي انقلاب سياسي ناضج يمر بثلاث مراحل:
1 — حصار الشرعية
تمامًا كما حُوصرت دار عثمان من المصريين والكوفيين.
2 — ظهور منافس “هادئ” يتظاهر بالحياد
كما ظهر علي بخطبة العيد متجاهلاً الحصار، مستفيدًا من لحظة ارتباك الدولة.
3 — انهيار القصر ونهب الممتلكات
ثم استقرار المتاع عند الطرف الذي صعد بعد الانقلاب… وهي صورة تنطبق على استقرار متاع عثمان عند علي.
خامساً: ماذا لو كان علي فعلاً بريئاً؟
لو كان خارج اللعبة، لكان ينبغي أن يفعل الآتي:
- إدانة الحصار علنًا.
- الخروج لنصرة الخليفة بالسيف.
- اعتقال قادة الفتنة وعلى رأسهم الأشتر.
- إرجاع المتاع لأهل عثمان.
- فتح تحقيق علني في الجريمة.
لكن الذي حصل كان نقيض ذلك تمامًا.
الخاتمة: الحقيقة كما هي… لا كما يريدون
يريدون تلميع الرواية، وتغليف المشهد، وجعل الانقلاب "فتنة" بلا فاعل. لكن النصوص الصحيحة، والشعر، والوقائع تقول:
كان هناك انقلاب سياسي مكتمل الأركان: حُوصِر الخليفة الشرعي عثمان، قُتل، نُهب متاعه… ووجدت ممتلكاته عند علي.
هذه ليست رواية معادية. هذه الحقيقة كما هي، كما جرت، بلا تزيين ولا رتوش. والوعي لا يُبنى إلا بوضع الحقائق كما وقعت، لا كما يهوى المتعصبون.