…لم يأخذوا أوَّلينا عن أوَّليكم
الإمام مالك يرفض الأخذ عن رواة الكوفة الثقات
من أخطر المواقف التي نقلت عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس – رحمه الله – قوله حين سُئل عن سبب تركه لروايات أهل الكوفة:
«لم يأخذوا أوَّلينا عن أوَّليكم، قد كان علقمة والأسود ومسروق، فلم يأخذ أحد منا، فكذلك آخرينا لا يأخذون عن آخريكم»【1】.
وهذه الكلمة ليست عابرة، بل زلزلة فكرية تهدم أوهامًا ترسخت قرونًا، إذ أن الإمام مالك – الذي وُلد سنة 93هـ – يصرح أن جيل الصحابة والتابعين في المدينة لم يأخذ شيئًا عن أعمدة الكوفة أنفسهم:
- علقمة النخعي (ت 62هـ).
- الأسود بن يزيد (ت 75هـ).
- مسروق بن الأجدع (ت 63هـ).
ومع أنهم من كبار تلامذة الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، إلا أن مالكًا رفض الأخذ عنهم أو عن من بعدهم.
أسئلة صادمة
- ماذا رأى الإمام مالك في مدرسة الكوفة حتى يغلق الباب أمامها بهذا الشكل القطعي؟
- هل كان في الكوفة تساهل في الرواية أو وضع للأحاديث لتبرير مواقف سياسية ومذهبية؟
- وهل تحولت الكوفة فعلًا إلى مطبخ للأسانيد والروايات المصنوعة؟
موقف السلطة العباسية
هذا الموقف من الإمام مالك لم يكن بلا ثمن:
- رفضه لروايات الكوفة (مطبخ التشيع والاضطراب السياسي).
- إعلانه تفضيل عثمان على علي【2】.
- عدم ذكر اسم علي أو العباس في الموطأ، حتى استدعاه هارون الرشيد وحقَّق معه شخصيًا وألزمه بتغيير الكتاب【3】.
وكانت النتيجة:
- جلده علنًا في المدينة.
- تركيبه على حمار وإهانته أمام الناس.
- خلع كتفه بالسياط.
- اعتزاله المسجد حتى مات – رحمه الله تعالى.
الأمر خطير ويحتاج لبحث
معنى كلام مالك أن أهل المدينة رفضوا رواية أهل الكوفة جملة وتفصيلا، حتى رواية التابعين الثقات تلامذة الصحابة!!!【4】
وهنا يتجلى السبب الذي جعل مالكًا أعمق من غيره، بينما حُرِّف مذهبه لاحقًا حتى صار المالكي اليوم يخالف إمامه في هذا الأصل.
قراءة في العقل الباطن
قوله:
«لم يأخذوا أُولَـىٰنا عن أُولَـىٰكم، فكذلك أُخْرَىٰنا لن يأخذوا عن أُخْرَىٰكم»
كأنها متشبعة بالآية الكريمة:
﴿وقالت أولىٰهم لأُخْرَىٰهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون﴾【5】.
أي: نحن أمة وأنتم أمة، لا ميراث علمي ولا ثقة متبادلة.
شهادة مالك عن الكوفة
كان مالك يصف الكوفة صراحة بأنها دار ضرب للحديث:
“إنما الكوفة دار الضرب، يضرب فيها الحديث بالليل وينفق بالنهار”【6】.
أي كما تُسك النقود في دار الضرب ثم تُنشر سريعًا، هكذا كان الحديث عندهم، يوضع في الليل ويُصرف في النهار!
ولذلك كثر حديثهم جدًا مقارنة بغيرهم.
بل قال أيضًا:
«أدركت سبعين تابعياً في هذا المسجد، ما أخذت العلم إلا عن الثقات المأمونين»【7】.
الاستنتاج الدامغ
انظر ماذا يحدث في العراق اليوم لتفهم لماذا مالك لم يأخذ برواياتهم، ولماذا كان يصفهم بأنهم ليسوا ثقاتًا.
رحم الله الإمام مالك، كان يعلم ويفهم أن الشيعي لا يُؤخذ منه صدقًا ولا يملك شرفًا.
أما باقي واضعي الكتب والمذاهب فكانوا – مقارنة به – مجرد شيوخ “رز بحليب”، يقبلون الرواية من الكوفة دون تحفظ.
وهكذا يصبح الفقه المالكي هو الفقه الأصح للإسلام، لأنه قام على نقاء الرواية وتنقية الأسانيد، ورفض الإفادات التي غفل عنها كثير من المنتسبين للعلم منذ ١٣٠٠ سنة، بل إن بعضهم تعمد إهمالها وإخفاءها【8】.
ومنه يتضح و نستنتج أن الإمام مالك عثماني :
ثلاثة ضوابط لقبول (الحديث النبوي) عند أهل السنة العثمانية الأموية :
1- أن ينقله عدلٌ ضابطٌ عن مثله إلى رسول الله ﷺ بدون شذوذ ولا علة .
2- خُلُو السند تماماً من الرواة العراقيين، حتى وإن كانوا ثقاة .
3- أن يكون الحديث قد عَمِل به الصحابة رضي الله تعالى عنهم .
المراجع
- العلل ومعرفة الرجال – للإمام أحمد – رواية ابنه عبد الله (ج 2 / ص 45، 205).
- الرد على الكبير في مسألة تعليق الطلاق – لابن حزم (ج 1 / ص 296).
- الأوجز المسالك إلى موطأ مالك – محمد زكريا الكاندهلوي (ج 1 / ص 93).
- سير أعلام النبلاء – الذهبي (ج 8 / ص 66).
- القرآن الكريم – سورة الصافات، الآية 39.
- المكتبة الشاملة – احتياط مالك في الرواية ونقد الرجال.
- رواية حبيب بن زريق عن مالك (ضمن تراجم الرجال).
- الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء – ابن عبد البر (ص 83).