مجلة معاوية بن أبي سفيان
مجلة معاوية بن أبي سفيان

الاجتهاد أم الطعن المقنّع؟

رئيس  تحرير مجلة معاوية أبن ابي سفيان
✍️ كاتب المقال:
٠٥ أكتوبر ٢٠٢٥ · دقيقة واحدة
جميع المقالات ملف الكاتب

فنيد المرويات العباسية التي تطعن في عدالة الصحابة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم

بقلم ✍️ شرارة رضا.

في زمن تتجدد فيه محاولات إعادة قراءة التاريخ الإسلامي عبر عدسات مشبعة بالتحيّزات المذهبية والميول السياسية، يُعاد اليوم ترويج مرويات قديمة شوهت صورة الصحابة الكرام، وعلى رأسهم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، بحجة “الحياد التاريخي” أو “العقلانية النقدية”.لكن هذه المرويات، التي انتشرت منذ العصر العباسي ثم عادت على أيدي بعض الأكاديميين المعاصرين، تقوم في حقيقتها على روايات ضعيفة أو موضوعة، تُبنى عليها تصورات خطيرة تُحاول أن تجمع بين احترام الصحابة من جهة، واتهامهم بالبغي والفتنة من جهة أخرى.

المفارقة الكبرى في المنهج العباسي يلجأ أتباع المدرسة العباسية عند تضييق الخناق عليهم في مسألة طعنهم بالصحابة، إلى حيلة مألوفة:“هذا اجتهاد من الصحابة، وهم مأجورون أو مغفور لهم!”لكن هذا لا يعفي من التناقض، بل يزيده.فالقاعدة الأصولية تقول بوضوح: “لا اجتهاد مع وجود النص.”فإذا كان الإمام علي بن أبي طالب هو الخليفة الشرعي – كما يزعمون – فإن نصوص الشريعة توجب طاعته لا مقاتلته.فكيف يبررون قتال طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة له؟أليس هذا خرقًا للنصوص؟ وهل يُعذر أحد بالاجتهاد في مخالفة أمر صريح من الوحي؟ثم نجدهم واقعين بين قولين متناقضين: 1 أن الصحابة اجتهدوا فرأوا أن عليًا ليس الخليفة، فخالفوه. 2 أو أنهم بايعوه ثم قاتلوه بعد أن عرفوا بشرعيته.والأعجب: أن القول الأول يُعد عندهم “سنة”، والثاني “بدعة ونصب”!فأي اضطراب في المنهج هذا؟

أمثلة على الروايات المكذوبة

الرواية 1:

عمار يعاتب عائشة بعد الجملفي تاريخ الطبري: أن عمار بن ياسر قال لعائشة بعد الجمل: “ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عُهد إليكِ!”فردّت: “والله إنك ما علمت قوالًا للحق!”فقال عمار: “الحمد لله الذي قضى لي على لسانك!”

الرد العلمي:

الرواية تفرد بها سليمان بن صالح الليثي، ولم يوثقه أحد من المتقدمين.ابن حجر وحده وثّقه بعد قرون، لكن د. بشار عواد معروف تعقبه قائلًا:“بل هو صدوق فقط، والتوثيق عليه كثير، ومخالف للمنهج.”الحكم: الرواية لا يُحتج بها، وهي ساقطة.

الرواية 2:

“كان قدَرًا”قيل لعائشة عن خروجها يوم الجمل، فقالت: “كان قدرًا.”

الرد العلمي:

راويها جميع بن عمير التيمي، كذاب رافضي مشهور بوضع الأحاديث.الحكم: الرواية باطلة بالإجماع.

الرواية 3:

عائشة تأمر ببيعة علي (رواية فواز الأشتري)زعم فواز الأشتري أن عائشة قالت لعبد الله بن بديل: “الزم عليًا!”واعتبر هذا دليلًا على ندمها وتأيدها له بعد الجمل.

الرد العلمي:

الرواية من طريق خالد بن مخلد القطواني، وهو رافضي مفرط، قال عنه النقاد: • يضع الحديث • يروي المناكير • يسب الصحابةالحكم: الرواية ساقطة، لا يُبنى عليها شيء.

الرواية 4:

الأحنف بن قيس يسأل عائشة من يُبايع“أنشدكِ بالله من أُبايع؟ فقالت: عليًا.”

الرد العلمي:

يرويها عمرو بن جاوان، وهو مجهول الحال.وتوثيق ابن حبان لا يُعتد به هنا لأنه يوثق المجاهيل كما هو معروف.الحكم: الرواية لا تصح.

النتيجة:

لا اجتهاد مع النص، ولا صحة مع الكذبما نراه من محاولات تبريرية باسم “الاجتهاد” أو “الندم”، هو محاولة للترقيع لا أكثر، مبنية على روايات ساقطة، وناقلة لاتهامات باطلة بحق خير قرون الأمة.

فإما أن نقبل هذه الروايات، فنقع في طعن واضح في الصحابة.

أو نردّها وننصر عدالتهم، كما هو منهج أهل السنة والجماعة.

الرسالة الختامية

من أراد إنصاف الصحابة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم، فعليه أن يبدأ بـ: 1 تحقيق الروايات وعدم التسليم بكل ما في كتب التاريخ. 2 ردّ الأحاديث التي تفرد بها وضّاع أو رافضي أو مجهول. 3 الاحتكام للمنهج الحديثي لا للأهواء السياسية أو الطائفية.

فليس كل ما يُقال يُقبل، ولا كل من كتب صدق.

المراجع والتوثيق:

• تهذيب الكمال، ميزان الاعتدال، سير أعلام النبلاء. • تحقيقات د. بشار عواد معروف • موسوعة أقوال الجرح والتعديل • دراسات نقدية في الرواية التاريخية (المعاصرة)

مجلة معاوية بن أبي سفيان

منصّة بحثية نقدية بلا مجاملات؛ نقول الأشياء كما هي ونحتكم إلى الدليل.

تحقيقات مسندة نقاش منضبط بلا تجريح خصم ‎17%‎ على السنوي