دولة المرابطين: الدولة السنية التي دمّرتها خرافة آل البيت
دولة المرابطين: الدولة السنية التي دمّرتها خرافة آل البيت
قامت دولة المرابطين على أساس الكتاب والسنة، ورفعت راية الجهاد، حتى بلغت أوجها في عهد القائد العظيم يوسف بن تاشفين. لقد كان يوسف بن تاشفين نصير الدين وحامي الإسلام في المغرب والأندلس، لبّى نداء المستغيثين من ملوك الطوائف، فسار بجيوشه إلى معركة الزلاقة سنة 1086م. هناك سحق ألفونسو السادس سحقًا جعل الإسبان إلى اليوم يتذكرون تلك الهزيمة بمرارة، فقد أنقذ الأندلس من السقوط وأعاد للإسلام هيبته.
لكن هذه الدولة السنية لم تسقط أمام جيوش الصليبيين، بل أسقطها رجل من الداخل، حمل راية الخديعة باسم آل البيت، هو محمد بن تومرت. هذا الدجال لم يكن حفيدًا لعلي كما زعم، وإنما ادعى نسبًا حسنيًا علويًا حتى يخدع العوام ويجمعهم حوله. زعم أنه «المهدي المعصوم» وأن الله أيّده بعصمة لا يخطئ معها، فحوّل الجهل إلى قوة، والدجل إلى سلاح. وهكذا نجح في أن يُلبس ثورته ثوبًا دينيًا مزيفًا، جرّ به الناس إلى دماء وحروب لا نهاية لها.
لقد بنى ابن تومرت دعواه على أحاديث عن المهدي أكثرها ضعيف أو موضوع. استند إلى حديث «المهدي من عترتي من ولد فاطمة» فادعى أنه من نسل الحسن بن علي. وتعلّق بحديث «يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي» فاختار أن يُعرف بـ «محمد بن عبد الله» ليوافق ظاهر النص. وروّج لنفسه بأن خروجه من جبال المغرب تحقيق لحديث مكذوب يقول «المهدي يخرج من المغرب». بل جعل شعاره أن دعوته ستملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت جورًا وظلمًا، مع أن هذا الحديث ضعيف مختلف فيه. وأما الحديث الذي يقطع الطريق على كل هذه الدعاوى، وهو «لا مهدي إلا عيسى»، فقد تجاهله تمامًا لأنه يهدم مشروعه من الأساس. لقد جمع ابن تومرت بين ضعف الأحاديث وخرافة العصمة، ليبني مشروعًا سياسيًا دمر دولةً سنيّة عظيمة.
ولو أن المسلمين تحاكموا إلى العقل والدراسة العلمية لمرحلة الفتنة لعلموا أن قضية الوصية والإمامة سقطت منذ القديم. علي بن أبي طالب نفسه رضي بالتحكيم في صفين، فدلّ ذلك على أنه لا يملك نصًا من النبي ولا وصية بالخلافة. ثم جاء ابنه الحسن في عام الجماعة فسلّم الأمر لمعاوية، وطلب العفو عن نفسه وعن أتباعه، فأغلق هذا الملف إلى الأبد. ومع ذلك، ظل الناس يركضون وراء خرافة آل البيت، حقًا كانت أو زورًا، وكلها لم تورث الأمة إلا الانقسام والخراب.
لقد مضت أحداث الثورة الموحدية بزعامة ابن تومرت ثم خليفته عبد المؤمن بن علي بخطوات منظمة. كانت البداية بمعركة إيغلي سنة 1130م حيث انهزموا أول الأمر، ثم تحصنوا في جبال الأطلس. بعد ذلك سيطروا على سجلماسة سنة 1141م، ومنها توسعوا إلى المغرب الأوسط. ثم دخلوا فاس سنة 1146م فانتزعوها من المرابطين. وأخيرًا في سنة 1147م حاصر عبد المؤمن مراكش وقتل آخر أمراء المرابطين إسحاق بن علي، فطويت صفحة دولة عظيمة على يد دعوى باطلة.
ومن الإنصاف أن نذكر موقف شيخ الإسلام ابن تيمية الذي فند أباطيل ابن تومرت. فقد زعم بعضهم أن ابن تيمية كان يمدحه، لكن الحقيقة أنه صرّح بخلاف ذلك. قال بعد أن ذكر دعواه بالمهديّة والعصمة:
«ومعلوم أن كل هذه الأقوال مخالفة لدين الإسلام، للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها» (منهاج السنة النبوية، ج6، ص189).
فأين المدح إذن؟ لا وجود إلا لفضح الدجل وإبطال الخرافة.
إن دولة المرابطين رفعت راية السنة، وحمت الثغور، وأعزت الإسلام والمسلمين، لكن سقوطها كان بسبب من ركب على خرافة الأحاديث الضعيفة والدعاوى الباطلة لآل البيت. وهكذا كان المنتسبون إلى علي، حقًا أو كذبًا، سببًا في أعظم فتن هذه الأمة، من صفين إلى الزلاقة، ومن التحكيم إلى ادعاء المهدي، لم يأتِ من ورائهم إلا الدماء والحروب والانقسام.