عبقرية الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الأمن والسياسة وإدارة الدولة

مقدمة نبوية : قال رسول الله ﷺ في حق عمر:

«إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه» (رواه الترمذي)، وقال ﷺ: «لو كان بعدي نبي لكان عمر» (رواه أحمد).

فلم يكن الفاروق مجرد أمير للمؤمنين، بل كان بحق ضمير الأمة وميزانها، يجمع بين حزم القائد، وعدل الحاكم، وفراسة المؤمن الملهم.

1. يقظته الأمنية وحماية العاصمة
من عبقريته أنه أمر بإخراج الأعاجم (العلوج) من المدينة، تطبيقًا لوصية النبي ﷺ: «أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب».

كان ذلك احترازًا أمنيًا لحماية مركز الدولة من اختراق فلول الساسانيين، ومنع أي تجمعات قد تستغل للفتنة.

2. فراسته في قاتله

روى المؤرخون أنه حين قال له أبو لؤلؤة المجوسي: «سأصنع لك رحى لا يُداس مثلها»، أدرك عمر ببصيرته قائلاً: «لقد توعدني هذا العبد بالقتل». وفعلاً، اغتيل عمر وهو في محرابه يؤم الناس.

إنها فراسة المؤمن، التي كانت دائمًا قرينة مع عبقريته السياسية.

3. عدالته مع الموالي ورفض التورط

عرض العباس على عمر قتل بعض الموالي خشية خطرهم، لكنه رفض قائلاً:

«الآن بعدما تكلّموا بالعربية وصلّوا في مساجدنا؟!»

كان يدرك أن مثل هذا القرار سيورطه في دماء مسلمين، وسيسمح للبعض باستغلاله سياسيًا لاستمالة العجم. فاختار العدل والإنصاف، مثبتًا أن الولاء للإسلام، لا للعرق.

4. تنظيم الشورى بقوة وبُعد نظر

حين طُعن، أسس نظامًا عبقريًا للشورى:

  • اختار ستة من كبار الصحابة: عثمان بن عفان، علي بن أبي طالب، طلحة بن عبيد الله، الزبير بن العوام، سعد بن أبي وقاص، عبد الرحمن بن عوف.
  • لم يكن الاختيار عشوائيًا، بل مثّل توازنًا قبليًا بين المهاجرين والأنصار وقريش، بحيث لا تنفرد قبيلة أو بيت بالحكم.
  • كلف صهيب بن سنان بإمامة الناس ثلاثة أيام، وأمر أن يُغلق أهل الشورى في بيت حتى يختاروا خليفة، قائلاً: «من خالفهم فاضربوا عنقه».

هكذا جمع بين الشورى والصرامة السياسية، مانعًا أي فوضى أو تنازع.

5. رفض التوريث

رغم مكانة ابنه عبد الله بن عمر، رفض عمر أن يوليه الحكم، قائلاً:

«يكفي آل الخطاب أن يُحاسب منهم رجل واحد.»

فأسس بذلك مبدأ أن الحكم أمانة لا وراثة، مخالفًا لما كان سائدًا في ممالك العجم والقبائل.

6. وصيته بعدم تغيير الولاة

أوصى عمر خليفته عثمان بن عفان:

«لا تغيّروا من ولاتي شيئًا حتى يستقر الأمر للخليفة سنة.»

فكان هذا قرارًا عبقريًا لتثبيت الاستقرار الإداري والسياسي في مرحلة حساسة.

وقد التزم عثمان بهذه الوصية في عامه الأول، مما ساعد على تجنب فراغ أو اضطراب.

7. تثبيت معاوية وصناعته

من أعظم إنجازاته أنه أبقى معاوية بن أبي سفيان واليًا على الشام بعد وفاة أخيه يزيد.

رغم شدته على معظم الولاة، لم يعزل معاوية، بل منحه الثقة الكاملة، إدراكًا لكفاءته وحاجته في مواجهة الروم.

وهكذا، صاغ عمر معاوية كحاكم قوي للشام، ليصبح لاحقًا درع الأمة، ويؤسس لاستقرار سياسي امتد إلى الدولة الأموية.

8. مواقف أبنائه بعد استشهاده

  • عبد الرحمن بن عمر كان حاضرًا عند القبض على قاتل أبيه، فأراد أن ينتقم منه بيده، لكن الصحابة منعوه، فسلم أمره إلى القضاء، دلالة على التزام آل عمر بالعدل حتى في دم أبيهم.
  • أما عبد الله بن عمر، فقد رفض أن يبايع علي بن أبي طالب في البداية، مبررًا ذلك بأنه لا يريد أن يدخل في الفتنة، ومكتفيًا ببيعته السابقة، مما يعكس ورع آل الخطاب وابتعادهم عن الصراع على السلطة. هذا الموقف يُظهر ثبات أبناء عمر على مبادئ أبيهم: الوفاء بالبيعة، وتجنب الفتنة، والابتعاد عن الانحياز للباطل
  • وعندما قام غوغاء المدينة بخلع بيعة يزيد بن معاوية، جمع أهله وقال:«سمعت رسول الله ﷺ يقول: يُنصَب لكل غادر لواء يوم القيامة، وإنا قد بايعنا هذا الرجل (يزيد) على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم أحدًا منكم يخلعه إلا كانت الفيصل بيني وبينه.»

لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلًا عظيمًا جمع بين العدل والفراسة، الأمن والسياسة، الشورى والحزم.

  • أخرج الأعاجم حماية للمدينة لكن خالفه البعض عن حب لقوله و كنتم تحبون ….
  • أدرك قاتله بفطنته.
  • رفض التورط في دماء الموالي.
  • اختار ستة يمثلون كبرى القبائل توازنًا للشورى.
  • رفض التوريث، وأوصى بالاستقرار الإداري.
  • صنع معاوية كقوة سياسية حصينة.
  • وغرس في أبنائه روح العدل والورع.

فحقّ أن يُقال فيه ما قاله النبي ﷺ: «لقد كان فيمن قبلكم محدّثون، فإن يكن في أمتي فعمر»

بقلم ✍️ شرارة رضا

Subscribe to معاوية بن أبي سفيان blog

Don’t miss out on the latest issues. Sign up now to get access to the library of members-only issues.
jamie@example.com
Subscribe