مجلة معاوية بن أبي سفيان
مجلة معاوية بن أبي سفيان

الخلافة الراشدة كما عرفها القرن الأول… لا كما سوّقها العباسيون

تاريخ النشر: ٢٠ نوفمبر ٢٠٢٥
وقت القراءة: 3 دقائق قراءة
رئيس  تحرير مجلة معاوية أبن ابي سفيان
كاتب المقال: رئيس تحرير مجلة معاوية أبن ابي سفيان
عدد المقالات:
الخلافة الراشدة كما عرفها القرن الأول… لا كما سوّقها العباسيون

ليس الخلاف في ترتيب الخلفاء الراشدين عند المسلمين الأوائل تفصيلاً عابرًا، بل هو مِفصلٌ عقديٌّ وتاريخيٌّ:

إمّا أن نقرأ الإسلام بعين الجيل الذي صاغه وبلّغه وفتح الدنيا به،

أو نقرأه بعين دولٍ جاءت بعدهم، فصنعت لنفسها تاريخًا على مقاس شرعيتها.

وهنا يعترض علينا المُتأخرون – وغالبًا من تربّى على السرد العباسي والهوى المذهبي – حين نقول:

الخلفاء الراشدون عند جمهور القرن الأول:

أبو بكر، عمر، عثمان، معاوية، يزيد – رضي الله عنهم.

فيصرخ: كيف تدخلون معاوية ويزيد في الراشدين؟

والجواب: لأنّ القرن الأول فعل ذلك منهجيًا وواقعيًا… وأنتم من مزّقتم ميزانه.

أولًا: الراشدية ليست رقماً زمنياً… بل مقامٌ شرعيّ

الخطأ الأكبر الذي روّجه العباسيون ومن دار في فلكهم أنّ الراشدية معناها “أربع أسماء ضمن ثلاثين سنة” ثم انطفأت!

وهذا اختزالٌ باردٌ للتاريخ والشرع معًا.

فالخلافة الراشدة ليست ملصقًا تاريخياً؛

بل هي وصفٌ شرعي يتحقق متى تحققت أركانه:

  • بيعة معتبرة
  • استقامة أصل الحكم على الدين
  • حفظ الجماعة ودفع الفتنة
  • العدل العام بحسب الطاقة والواقع

ولهذا جاء المحققون الكبار – ومنهم ابن خلدون – فقرروا بوضوح أن:

دولة معاوية تُلحق بدول الخلفاء، وأخباره فيهم، وهو تالٍ لهم في الفضل والعدالة والصحبة، وأن حديث “ثلاثون سنة” لا يمنع إدخاله في “عداد الخلفاء”، لأن العبرة بالمقام لا بالعدد.

فمن يُقصي معاوية من الراشدين لا يردّ على المجلة،

بل يردّ على ميزان الأوائل وتحرير العلماء المحققين.

ثانيًا: معاوية لم يأتِ على ظهر انقلاب… بل على أصل الشورى الشرعية

معاوية رضي الله عنه لم يكن طارئًا على الأمة ولا مجهول النسب السياسي.

هو والي الشام الشرعي، وصاحب حقٍّ أصيلٍ في طلب القصاص لعثمان بصفته وليّ دمٍ ووليّ شأنٍ في الدولة.

ثم إن بيعته لم تكن بيعة “غلبة البغاة”،

بل جاءت بعد أن عجز واقع الفتنة عن احتواء قتلة عثمان داخل دولةٍ مضطربة،

فاستقرت الأمة على اجتماع الكلمة وحقن الدماء.

ومن هنا نفهم القاعدة التي غُيّبت عمدًا:

الخلافة بعد عثمان صارت تُدار تحت ضغط الفتنة… فالمعيار هو حفظ الأمة لا صناعة المثاليات الوهمية.

ثالثًا: لماذا يزيد؟ لأن ولاية العهد ليست بدعة عباسية!

عندما يُذكر يزيد رضي الله عنه، يحاول خصومه قلب الطاولة:

“ولاية عهد؟! هذا ملكٌ عضوض!”

لكنهم يتناسون – عمدًا – أن آلية انتقال السلطة بالولاية معروفة في تطبيقات الراشدين أنفسهم:

  • أبو بكر نصّب عمر وليَّ عهدٍ بعد مشورةٍ عامة وإجماع.
  • عثمان لم يكن يعادي فكرة الانتقال المنضبط للسلطة حين تتهدد الأمة بالفوضى.
  • ثم جاء معاوية فقرّر ولاية العهد صيانةً لوحدة الدولة التي أنهكتها الحروب.

إذن ولاية العهد لم تُبتدع في العصر الأموي،

بل هي أداة سياسية شرعية لأجل مقصد شرعي أكبر: منع تمزق الأمة.

والأمة يومئذٍ كانت خارجة للتو من حرب أهلية قاسية،

فإما انتقالٌ منضبطٌ للسلطة،

أو عودةٌ لحصار الخليفة وقتله وتفجير الداخل.

رابعًا: فاجعة كربلاء بين العاطفة والتاريخ

نحن لا نهوّن الفاجعة، ولا نبيع دمًا بمداد.

لكننا نرفض الابتزاز العباسي-الشيعي الذي حوّل كربلاء إلى وثيقة اتهام دائمة للأمة وتاريخها، ثم بنى على ذلك “شرعية ثأرية” لقرون.

الواقع السياسي يومئذٍ كان واضحًا:

توجه الحسين إلى الكوفة كان بداية مشروع سياسي جديد يفتح الباب لإمارات متنازعة.

ولو تركت الأمة حينها لهذا المسار، لكانت النتيجة الطبيعية:

تفكك الخلافة إلى دول متصارعة، وحروب داخلية لا سقف لها.

فقرار الدولة بقطع طريق الانقسام – مع مرارة الثمن – كان يُقرأ بهذا الميزان:

حفظ الجماعة ودفع الحرب الأهلية الكبرى.

وهنا تظهر نقطة الفقه التاريخي التي يغفلها العاطفيون:

أن الحاكم قد يُبتلى بخيارٍ بين مفسدتين،

فيختار أخفهما لحفظ أصل الدين والدولة.

هذا هو منطق السياسة الشرعية،

وهو عينُ ما فعله أبو بكر في الردة:

لو ترك الباب مفتوحًا للانفراط، لانهدّت الأمة من أساسها.

خامسًا: لماذا يكرهون هذا الترتيب؟ لأنه ينسف سرديتهم

لأن إدخال معاوية ويزيد في الراشدين يعني:

  1. الاعتراف بأن شرعية الأمة لم تتوقف عند العباسيين.
  2. سقوط مزاعم “التشيع العباسي” الذي صوّر خصومه التاريخيين كطغاة خارجين على الدين.
  3. كشف أن الفتنة الكبرى كانت فتنة البغاة لا فتنة الصحابة.
  4. فضح التحريف الذي قلب القاتل ثائرًا، والمطالب بالقصاص باغيًا.

فهم لا يناقشون ترتيبًا…

بل يدافعون عن منظومة تزييف كاملة.

الخلاصة: العودة إلى ميزان القرن الأول

نحن لا نعبد أسماء، ولا نقدّس دولاً.

لكننا نقول بوضوح:

منهج القرن الأول هو الميزان.

وهو الذي يثبت:

  • أن معاوية خليفةٌ راشدٌ في أصل مقامه وفضله وعدله وصحبته.
  • وأن يزيد دخل الخلافة ببيعةٍ واستقرارٍ وآلية انتقالٍ معروفة لحفظ الجماعة.
  • وأن السردية العباسية المتأخرة شوّهت الوقائع لتبرير دولتها وتغذية مذهبيتها.

ومن أراد الحق فليقرأ التاريخ بعين أهله،

لا بعين من استثمروا الجراح لصناعة السلطان.

مجلة معاوية بن أبي سفيان

منصّة بحثية نقدية بلا مجاملات؛ نقول الأشياء كما هي ونحتكم إلى الدليل.

تحقيقات مسندة نقاش منضبط بلا تجريح خصم ‎17%‎ على السنوي