العثمانية الأصيلة ومسألة التربيع بعليّ

إجماع الأمة الثلاثي، لا العباسي الرباعي

قال الله تعالى في سورة المائدة:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾

قال المفسرون في تأويلها:

«هي في أبي بكر وأصحابه رضي الله عنهم، حين قاتلوا المرتدين في حروب الردة، فأعادوا للإسلام هيبته بعد وفاة النبي ﷺ.»

ففي تلك الحروب كان عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان مستشاري أبي بكر وساعديه، بينما عليّ رضي الله عنه لم يخض بعد وفاة النبي ﷺ إلا ثلاث معارك، كلها كانت – للأسف – ضد الصحابة أنفسهم: الجمل، صفّين، والنهروان.

ابن تيمية والعثمانية السنية

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية (ج٤ ص١٣٠): «فلفظ أهل السنة يُراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة.»

وهذا نصٌّ جليّ بأن الذين لم يثبتوا خلافة عليّ بعد عثمان من أهل السنة، لا من النواصب ولا من الفرق الضالة.

وقال أيضًا:

«كثير من خطباء السنة بالمغرب لا يذكرون عليًّا في الخطب، وإنما يذكرون أبا بكر وعمر وعثمان، لأن هؤلاء اتفق المسلمون على إمامتهم دون عليّ.»

فعدَّهم من أهل السنة لا من المبتدعة، لأن ترك ذكر عليّ لا يُخرج عن السنة، كما أن ذكره لا يجعل صاحبه شيعيًا ما دام ملتزمًا بترتيب الإجماع.

العثمانية الأولى — جماعة الأمة قبل العباسيين

إن العثمانية الأوائل — الذين وقفوا عند الثلاثة — كانوا السواد الأعظم من الأمة في القرون الأولى. وقد نقل عبد الله بن أحمد في كتاب السنة عن أبيه الإمام أحمد بن حنبل أنه قال فيمن لم يُثبت خلافة عليّ:

«ما أجري أن أخرجهم من السنة، تأوّلوا فأخطؤوا.»

أي أن من توقف عند عثمان أخطأ في الاجتهاد لكنه لم يخرج عن دائرة السنة. فالإمام أحمد لم يبدّعهم، بل احترم اجتهادهم، بينما جاء المتأخرون – في ظل الدولة العباسية – فحوّلوا ذلك الاجتهاد المشروع إلى معيار للاتهام بالنصب.

انحراف العباسيين وتأصيل التشيع

لقد كانت الدولة العباسية دولة متشيعة في لبّها، استغلت التشيع لشرعنة حكمها، فأضافت اسم عليّ إلى قائمة “الخلفاء الراشدين” سياسيًا لا دينيًا، ثم جعلت “التربيع بعليّ” شعارًا مذهبيًا يُلزم به كل من أراد الانتساب إلى السنة.

وهكذا صار من لم يربّع بعليّ يُتّهم بالرفض للآل أو بالبغض لعليّ، بينما الحقيقة أن هذا “التربيع” ما هو إلا تأصيل للتشيع بغطاء سني.

فمن ربع بعليّ، فقد اعترف ضمنًا بشرعية المعسكر العلوي الذي خرج على خليفة الإسلام الشرعي الشهيد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأعطى الغطاء العقدي لأول انقلاب مسلح ضد جماعة الأمة، وانضمّ – من حيث لا يشعر – إلى المعسكر العلوي الظالم ضد صفوة الإسلام وأم المؤمنين والصحابة.

لو عاد العلماء المخلصون

لو عاد اليوم البخاري وابن تيمية وأحمد بن حنبل وابن حزم، لرأيتهم يضربون كفًّا بكفّ ويقولون:

«لا حول ولا قوة إلا بالله مما أحدثه المتعالمون والكوفجية المزورون!»

ولأعادوا مراجعة المرويات والرواة والأحاديث، ولَنقّوا السنة من كل العبث العباسي والاختلاق الشيعي، ولحذفوا الروايات الغيبية والشاذة والمكذوبة التي شوهت صورة الصحابة وألبست عليًا ما لم يقل ولا فعل.

الخلاصة

• الآية في سورة المائدة نزلت في أبي بكر وأصحابه في حروب الردة، لا في عليّ.
• الإمام أحمد وابن تيمية كلاهما لم يخرجا العثمانيين الأوائل من أهل السنة.
• التربيع بعليّ تأصيل شيعي عباسي تسلل إلى الموروث السني السياسي.
• العثمانية الأصيلة هي مدرسة الإجماع والجماعة التي حافظت على وحدة الأمة وشرعية الخلافة.
• كل من ربع بعليّ فقد سوّغ الانشقاق الأول في الإسلام، ولو بغير قصد.