مجلة معاوية بن أبي سفيان
مجلة معاوية بن أبي سفيان

بابُ الشَّرَفِ إذِ انكَسَرْ

مقدمة

سمّوه قتلاً… وهو في التاريخ بابٌ انكسرْ
ومن شقوقِ الخشبِ تسلّلَ ليلُ الفتنةِ وازدجرْ
يومٌ على المصحفِ المفتوحِ—والنورُ شهِد—انفطرْ،
فانفرطت سبحةُ الجماعةِ، واستُبيحَ منّا الوترْ.
كانَ مقتلُ عثمانَ بنِ عفّانَ: البابَ الذي كُسِرْ،
ومن ورائه اندفعَ الخصامُ، واشتعلَ الجمرُ واستعرْ،
وسقطت هيبةُ الدمِ حين سُفِكَ الدمُ الطاهرُ واعتذرْ،
فغابَ وجهُ الشورى، وارتفعَ السيفُ جوابًا واقتدرْ.
وكان الشرفُ حين انتُهِكَ،
تداعَت الأممُ إلى قصعتِنا كما يَتداعى الجوعُ إذا حضرْ،
تكسّرت أكتافُنا بين طامعٍ ومعتذرٍ ومعتذرْ،
وصرنا نُحصي الخساراتِ: دارًا فدارًا… ودهرًا يُستَدَرْ.
يا أمةَ المصطفى:
لا يُرمَّمُ بابٌ هُدِّمَ بالريحِ والعتبِ والضجرْ،
إلا إذا عادَ العدلُ إمامًا، وعادت الشورى إلى المَدرَجِ الأولِ تُفتَخَرْ،
وإلا سنبقى نكتبُ على الجدارِ:
إن مقتلَ عثمانَ… كان أوّلَ الفاجعةِ—والأخطرْ.

عُثمانُ والشَّرَفُ المَهْدورُ

حوصِرْتَ—والمصحفُ المفتوحُ يسقيكَ البَصَرْ
شيخًا، صيامُكَ والعَطَشُ المريرُ ولا وَتَرْ
ومِن دمائكَ أوّلُ القَطْرِ انهمرْ
فوقَ ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ﴾—آيةٌ تمضي وتَثأرْ.
قالوا: يُهَانُ الشَّرَفُ؟ فانهارَ سِترٌ فانْقَطَرْ،
نائلةٌ: أُصْبِعُها قُطِعَتْ، وما انطفأ الظَّفَرْ،
وصفيةٌ لولا الحياءُ لصدّعتْ صمْتَ الحَضَرْ،
لكنهم ضربوا النِّساءَ… فكيف لا يسقطُ الوَزَرْ؟
يا أمّةَ القرآنِ: أهذا نهجُكُمْ إذ يستَجَرْ؟
منعُ المَياهِ لجائعٍ صوّامِ قلبٍ مُستَبِرْ؟
إنَّ الشَّهادةَ—شَرْفُها—أَن يُكتبَ الدّمُ مُذْ سَفَرْ،
ذِكرى تُعيدُ على المدى: حِصنُ المروءةِ لا يُهَدْ… بل يُعْتَصَرْ.

عليٌّ بينَ الحُكمِ والشَّرَفِ

بيعةُ سيفٍ أمْ شُورَاكُمْ؟ قُلْ لي… أَيُعْتَبَرْ؟
قِيلَ: بايِعْ وإلّا قُتِلْتَ—فهلْ يَطيبُ بها الوَطَرْ؟
والقُرْبُ مِن نَسَبِ النّبيِّ، وإنْ سَمَا قَدَرًا، قَصَرْ،
إنَّ الشَّرَفْ: قِصاصُ مظلومٍ، وعدلٌ مُسْتَقَرْ.
عُثمانُ جاء به الجماعُ، وشيَّدَ الذِّكرى وَذَرْ،
جَمْعُ الكتابِ، وبِذْلُ مالٍ… لا يُساويهِ الأثَرْ،
ومنْ وراءِ السَّيفِ حكمٌ—حيثُ عدلُ اللهِ غُبِرْ،
لا يَسْتقيمُ على انتسابٍ دون إنصافٍ ظَهرْ.

طلحةُ والزُّبيرُ وأمُّ المؤمنينَ عائشةُ

قاما لِثارِ محمّدِيٍّ، والندَى فيهم ظَهَرْ،
لمّا رأَيا القَتَلَةَ جُنْدًا—أيُّ عُدْلٍ قد حَضَرْ؟
خرجا، ومعهُما عائشةُ العَزْمِ الأغرّ ولا ضَجَرْ،
وقالتْ لِمَنْ جارَ: «لستُ لكَ بأمٍّ»—حدُّ شَرْفٍ لا يُكْسَرْ.
الزُّبيرُ قال: أنا المظلومُ—والقَدَرُ انحَدَرْ،
وراجعَ الوُدَّ، فلم يَنْجُ منْ غِدَارَةِ مَنْ غَدَرْ،
وطَلْحَةٌ: «خُذْ لِعثمانٍ مِنّي…» دمعُهُ قَدْ انْهَمَرْ،
هلْ قامَ قِصاصٌ… أمْ تُرِكَ الدمُ الطهورُ إلى غَدَرْ؟

سُقوطُ المروءَةِ

ضُرِبتْ صفيةُ—أيُّ قلبٍ بعد هذا قد فَجَرْ؟
ونائلةٌ تُدافعُ بالأناملِ—ثُمَّ تُبْتَرُ والفَجَرْ،
وعمّارُ عندَ أمّ المؤمنينَ—سقطَ السِّتَرْ،
قالتْ له: «لستُ لكَ بأمٍّ»—فانجلى وجهُ الخَطَرْ.
يا مَنْ بدّلتمُ ﴿ولَكُمْ فِي القِصاصِ حَيَاةٌ﴾ بالفِتَرْ،
لا يُسعِفُ الزُّهدُ الذي يُعمي عن الحقِّ إذا حَضَرْ،
الشَّرَفُ ليسَ شعارَ صوتٍ… بلْ فِعالٌ إذْ أُثِيرْ
دمعُ الأراملِ شاهدٌ: مَنْ أهدرَ الحدَّ… انحدَرْ.

قَضِيَّةُ عُبيدِ اللهِ بنِ عُمَرَ

قِصَّةٌ أُغلِقَ بابُها يومًا… بميزانٍ أَسَرْ،
حَكَمَ الخليفةُ بالديّةِ—كي لا ينفلتَ الوَتَرْ،
اثنا عشَرَ العَامَ انقضى… فإذا القديمُ قد حُفِرْ،
ودمُ عُثمانٍ على الأرْضِ—كيفَ يُنْسى وهوَ حَضَرْ؟
إنْ كانَ فَرْضُ العدلِ فتحَ القِدَمِ المُسْتَتِرْ،
فلِمَ يُؤجَّلُ ثأرُ مَنْ شُقَّتْ له الآياتُ تُذْكَرْ؟
ميزانُنا: «قَرِّبْ لِمَظْلُومٍ قِصاصًا»—هكذا يُحْتَكَرْ،
لا أنْ يُعادَ القَدِيمُ والحديثُ بلا أَثَرْ.

مُعاويةُ—صاحِبُ شَرَفِ القِصاصِ

لمْ يَعتزلْ، لمْ يَتذرّعْ—قامَ ثأرًا واعتبَرْ،
صاحَ حسانٌ: «يا لثاراتِ عُثمان»… فازدهرْ،
سَقَطَ قتيلٌ بعدَ قتيلٍ—والحسابُ قد سَفَرْ،
لا نُشيدُ بالسُّيوفِ… بلْ بقِسطاسٍ إذا انكَسَرْ.
مَنْ خانَ عهدَ الدّمِّ أدركتْهُ أعينٌ لا تنكسِرْ،
في مِصرَ والشّامِ، الحجازِ… العَدُوُّ تَبعثَرْ،
ليسَ امتِداحًا للدُّنَى—لكنْ كرامةُ مَن ظَفِرْ
بالقِصَاصِ لِخَليفةٍ مظلومٍ—ميزانُ القَدَرْ.

الشَّرَفُ في القرآنِ والسُّنَّةِ

«أكرمُكمْ أتقاكُمُ»—نورٌ على الدُّرْبِ اسْتَقَرْ،
«ولَكُمْ في القِصاصِ حياةٌ»—نبْعُ عدلٍ مُسْتَحَرْ،
«مَن قُتِلَ مظلومًا فَلِوَلِيِّهِ سُلطانٌ» ظَهَرْ—
لا يُعْزَلُ السلطانُ إلا مَنْ تَجافَى وافتقَرْ.
«انصُرْ أخاكَ»—لا بتصفيقٍ، ولكنْ إذْ ظَفَرْ
تَأْخُذْ على يدِ ظالِمٍ كي لا يُعَادَيكَ الخَطَرْ،
«ألا أستحي من رجلٍ تستحي منه الملائكةُ»—دُرَرْ،
حُرْمَةُ دمِ المسلمِ—دِينٌ لا يُباعُ ولا يُشترْ.

الشَّرَفُ بينَ أهلِ الدُّنيا وأهلِ الآخِرَةِ

قومٌ: تديُّنُهمْ اعتزالٌ—ثُمَّ يَغْفُلُهم خَبَرْ،
وقومٌ: نافلةٌ تُعميهِمُ عنْ فَرْضِ قَدَرْ،
وأهلُ شَرَفٍ: قاموا لِقِسطاسٍ إذا مالَ واستَتَرْ،
قالَ حَسَنٌ: صاحِبُ الشَّرَفِ يَطلبُ المعالي إذْ ظَفَرْ.
يا أمّةَ المصطفى:
ما زال نزفُ المصحفِ الأوّلُ في الصُّدورِ لهُ أثَرْ،
«فسيكفيكهمُ الله»—وعدُ صدقٍ ما انكسَرْ،
لكنْ… على أيديكمُ العدلُ استَقِمْ يُحْيِ الذي قُتِلَ وانقَطَرْ،
فالشَّرَفُ: أن لا يُهانَ كتابُ ربِّكُمُ… ولا يُهْدَرْ البَشَرْ.