وعدٌ وصدقٌ وأقسمَ على الله فأبرَّه
معاوية بن أبي سفيان بين شهادة الحديث وعدل التاريخ

“فما دار العام إلا وأثخن فيهم، وقتل قادتهم، وجعل بينهم الفرقة والاختلاف حتى أتم وعده للمسلمين، ووعيده على المنافقين.”
١. بابُ الذكر الصادق في الصحيحين
ورد في صحيح البخاري، في باب ذكر معاوية رضي الله عنه، عن ابن عباس رضي الله عنه قوله لما سئل عن أمير المؤمنين معاوية:
«إنه فقيه».

وهي كلمةٌ جامعةٌ عظيمةٌ من حَبْر الأمة وترجمان القرآن، لا يقولها إلا من عرف المقام والقدر. وقد أثبتها البخاري في موضعها ليبقى الإنصاف العلمي شاهدًا للأبد، رغم ما نُسِجَ من دعاياتٍ عباسيةٍ لاحقة أرادت أن تَطْمِسَ مآثر هذا الصحابي الجليل.
٢. معاوية الفقيهُ الأديبُ الشاعر
لم يكن معاوية رجلَ سيفٍ فقط، بل كان رجلَ قلمٍ وفكرٍ وأدبٍ. وقد جمع بين الفقه والسياسة والشعر. ويكفي ما حفظه لنا ديوانه من رَزَانَة البيان وعمق الحكمة، مثل قوله في إحدى قصائده التي يصف فيها الفتنة بالمدينة:
تَدَاعَتْ عليهِ بالمدينةِ عصبةٌ
فَرِيقانِ منها قاتلٌ وخذولُ
فلا نومَ حتى تُشْجِرَ الخيلُ باللِّقا
ويُشفى من القومِ الغُواةِ غليلُ
فيها من الحكمة والجرأة ما يوازي قوله تعالى:
﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [الأنفال: 39]
٣. وعدُ الله في التاريخ
كان معاوية رضي الله عنه من أولئك الذين أقسموا على الله فبرَّ قسمهم؛ إذ وعد اللهَ أن يُعيدَ للأمة وحدتها وأن يُذلَّ أعداءها من المنافقين الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه، فصدق وعده.
فما دار العام حتى أثخن فيهم، وقتل قادتهم، وشتَّت جموعهم، وأطفأ نار الفتنة التي أوقدها الحقدُ والجهلُ والباطنية.
٤. فقه الدعاء والإبرار
في الحديث الشريف:
«إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرَّه»
وقد رأى العلماء في معاوية وأضرابه من الصحابة مثالَ هذا المعنى، إذ جمع بين الحلم والسياسة والإخلاص. ومن تأمل سيرة الرجل في إدارة الدولة علم أن الله أيَّده بالحكمة والدهاء المشروع لحماية الأمة من تمزقها.
٥. شاعرٌ فقيهٌ وقائدٌ راشدٌ
معاوية لم يكن خصمًا للحق، بل كان حارسًا لوحدة الأمة. من أنصفه عرف أن قيام الدولة الأموية لم يكن تغلبًا عسكريًا، بل كان امتدادًا لشرعية راشدة قائمة على نظام الشورى والنظام المؤسسي الذي حمى الإسلام من التفكك بعد الفتنة.
الخاتمة: بين الحقد التاريخي والعدل الإلهي
من أراد إنصاف التاريخ، فليزن الرجال بميزان الحق لا العاطفة.
فكم من منابر نطقت بظلم بني أمية، وكم من أقلام نسجت الأكاذيب عن معاوية، ولكن بقي في الصحيحين، وفي ديوان الرجل، وفي وعد الله الباقي، ما يهدم كل افتراء.
لقد صدق الله وعده، وصدق معاوية قسمه، فبرَّه الله وأبرَّه التاريخ.
تحرير: مجلة معاوية بن أبي سفيان
منبر الفكر الراشدي والمؤسسة الشورية
المصدر: رابط الوثيقة/المكتبة
المصدر: رابط الوثيقة/المكتبة
المصدر: دار النشر/الأرشيف
المصادر العامة
- صحيح البخاري – كتاب الفضائل/المناقب – باب ذكر معاوية رضي الله عنه.
- ديوان معاوية بن أبي سفيان – دار صادر/بيروت (أو حسب النسخة التي ستضع رابطها).
قصائد معاوية بن أبي سفيان

الكتب التي تناولته:
كتاب : تطهير الجنان واللسان عن الخوض والتفوه بثلب معاوية بن أبي سفيان للشهاب ابن حجر الهيتي
كتاب : معاوية بن أبي سفيان في الميزان لمحمود عباس العقاد
كتاب : للمستشرق هنري لامنس بعنوان أول الخلفاء الأمويين طُبع بالفرنسية.


