مجلة معاوية بن أبي سفيان
مجلة معاوية بن أبي سفيان

قضايا جرائم غامضة تحت مجهر الشك

محكمة الفرضيات التاريخية

✍️ سيناريو: رضا شرارة

سماع المحاكمة

قضايا جرائم غامضة تحت مجهر الشك
✍️ سيناريو: رضا شرارة | إخراج: رضا شرارة
28:11:

مقدمة

في دهاليز التاريخ، لا تُطوى الملفات بل تتراكم، لتصبح كل حادثة شاهدة على ما قبلها. هنا، في "محكمة الفرضيات التاريخية"، حيث تختلط الفاجعة بالسياسة، والوصايا المجهولة بالطموح السرّي، نرفع الجلسة. ليس الهدف إصدار حكم نهائي، بل رفع الحصانة عن كل سؤال، ومواجهة كل لغز تركته لنا السنون. الحكم ليس للتاريخ، بل لضمير الناظر.


المشهد الافتتاحي

قاعة افتراضية ضخمة. القاضي شامخ على منصته، محقق إلى جواره يقلب الصفحات، الدفاع يترصّد، والجمهور يملأ القاعة بالهمس والدهشة.

القاضي (يطرق بقوة): «ابدأ أيها المحقق، لنبدأ من نقطة الوداع».


الملف الأول: وفاة النبي ﷺ (اللدّ والخوف من الوصية)

القاضي: ما أول ما لديك؟

المحقق: سيدي القاضي، نفتح أخطر ملف على الإطلاق: جناية الرحيل. البداية في الغرفة المغلقة؛ مرض النبي ﷺ الأخير. هنا صدر أمران متناقضان يجب تتبعهما: أمر طبي جُوبه بمخالفة، وأمر سياسي قُوبل بصمت مُتعمَّد.

أولاً: الأمر الطبي - اللدّ والمخالفة الجنائية (خيط أسماء)

المحقق: النبي ﷺ قال بوضوح: «لا تلدّوني» [البخاري 5712]. لكن لما أُغمي عليه، تمت المخالفة الجنائية. قامت أسماء بنت عميس (زوجة أبي بكر وحماة عائشة بخبرتها من الحبشة) بالمبادرة، وسُقي الدواء قسراً.

المحقق (الغضب والعقاب الجماعي): فلما أفاق، غضب غضباً شديداً ووجه اتهاماً مباشراً: «هذا من فعل نساء جئن من الحبشة» — إشارة إلى أسماء [أحمد 24852]. ثم أمر بعقوبة جماعية قاسية: «لا يَبقَى أحدٌ في البيتِ إلَّا لُدَّ، وأنا أنْظُرُ، إلَّا العَبَّاسَ» [البخاري 5712].

القاضي (مُتوجِّساً): هل كان تصرُّف الرسول ﷺ «أمْنياً» أكثر منه طبياً؟

المحقق: نعم سيدي القاضي. فالأمر الصادر بعد الإفاقة لم يكن مجرد غضب، بل عقاب تأديبي أمني وشرعي. النبي ﷺ جعل الجميع يتجرّع الدواء — بما في ذلك عائشة — كعقوبة على تجاوز أمره الصريح، وتأويلهم له على أنه مجرد «كراهية المريض للدواء». العقوبة كانت جماعية تشمل المُنفِّذ والمدبِّر والساكت أو مَن لم يحذّر. هذا الإلزام بعقوبة تجرُّع السم (اللدود) من مُستقدِمِه، يُبرز خطورة الموقف: هو ليس دواءً بل علامة براءة نبوية من داء ذات الجنب، ووصم للمُخالِفين بتقديم الرأي على النص.

الجمهور يضج، والقاضي يطرق بالمطرقة.

ثانياً: الأمر السياسي - التستُّر على الوصية

المحقق (رفض عليّ للمواجهة): رفض عليّ طلب العباس أن يُسأل النبي الوصية، وكشف دوافعه: «لا، فإن منعنا لم يُعطِها لنا أحدٌ بعده»[الطبري 3/428]. هذا حساب سياسي بارد، فُضّل فيه الصمت على المواجهة.

المحقق (إنكار عائشة): ويقوّي هذا النمط من التستّر إنكار أم المؤمنين عائشة لأي وصية، وربط نفيها باللحظات الأخيرة. عن الأسود قال: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ وَصِيًّا، فَقَالَتْ: «مَتَى أَوْصَى إِلَيْهِ، وَقَدْ كُنْتُ مُسْنِدَتَهُ إِلَى صَدْرِي؟ -أَوْ قَالَتْ: حِجْرِي- فَدَعَا بِالطَّسْتِ، فَلَقَدِ انْخَنَثَ فِي حِجْرِي، فَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَمَتَى أَوْصَى إِلَيْهِ؟» [متفق عليه/البخاري 2741 ومسلم 1636]. هذا استدلال قاطع منها؛ فلو كانت هناك وصية بالخلافة لأمر عظيم كهذا، لما غاب ذلك عن علمها وهي ألصق الناس به في اللحظات الحرجة. وهو يضع أساسًا قوياً على نفي وجود نصّ واضح يلزم الأمة بخلافة عليّ.

تسلسل مريب:
  • الجانب الطبي/الأمني: نهي صريح عن اللدّ ← مخالفة جَماعية/مُدبَّرة (بخبرة الحبشة) ← غضب نبوي وعقوبة تأديبية صارمة (اللدّ للجميع) ← وفاة لاحقة.
  • الجانب السياسي/الوصية: خوف من المنع (حساب بارد) ← صمت متعمد عن السؤال الحاسم ← إنكار مطلق للوصية بالخلافة (بشهادة القرب عند الوفاة).

الملف الثاني: وفاة فاطمة رضي الله عنها

القاضي: وماذا عن بنت رسول الله؟

المحقق: ماتت فجأة شابة، بعد أبيها بأشهر. دفنها عليّ ليلاً سراً بلا صلاة عامة. وقبرها إلى اليوم مجهول. وقالت أسماء: «غسلتها أنا وعلي».

مناقشة التغسيل السري (أسماء والخلوة غير الشرعية)

لجمهور (مستغرباً بهمهمة عالية): لكن أسماء صحابية هاجرت إلى الحبشة!

المحقق (رافعاً يده): نعم، هاجرت. لكن هل الهجرة صك براءة؟! ألم يهاجر عبيد الله بن جحش ثم ارتد في الحبشة للنصرانية؟ إذن الهجرة ليست حصانة مطلقة.

القاضي (غاضباً يصرخ): حديث النبي ﷺ واضح: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ... الحَمْوُ المَوْتُ». منع الدخول يستلزم منع الخلوة والتغسيل كان في خلوة. فإذا كان دخول قريب الزوج موتاً، فكيف بمشاركة امرأة ليست محرماً في غسل جسد امرأة مع رجل؟!

أولاً: الخلاف العلني ودافع التعدد (أسماء، أبي بكر، عليّ)

المحقق (صراع التعدد وحضانة الأبناء): العلاقة بين عليّ وفاطمة كانت متوترة علنًا بسبب التعدد.

  • مراوغة أسماء: كانت أسماء أرملة جعفر. كان هناك احتمال أن رفضت فاطمة أن تتزوج معها بعليّ.
  • تدخل أبي بكر: لغلق الباب عليه في إيذاء فاطمة، خطبها أبو بكر حباً في الرسول وفاطمة، وتزوجها، فانجبت منه محمداً.
  • انتقام عليّ وقطع الطريق: انتقاماً من فاطمة، تقدم عليّ لخطبة بنت أبي جهل، فتدخل النبي ﷺ وأمر عليّ بطلاقها، فغُلق عليه الباب نهائياً أمام التعدد مادامت فاطمة زوجته. كانت إزالة فاطمة شرطاً ليتسنى له التعدد والزواج من أسماء، وبذلك السيطرة على حضانة أبناء أخيه (مكسب عاطفي واجتماعي)، خصوصاً بعد أن رفض أبو بكر زيارته للأبناء عندما كانت فاطمة على قيد الحياة.

ثانياً: الدافع المشترك - السمّ، والورطة، وعزلة عليّ

المحقق: الدافع يتضخم ليشمل المكسب المشترك مع أسماء بنت عميس (أم أبناء جعفر).

  • دافع أسماء (المكانة): كانت أسماء أرملة جعفر ثم أبي بكر. زواجها السريع من عليّ بعد وفاة أبي بكر بوقت قليل ( العدة )، يشير إلى أن الزواج كان المخرج الوحيد لها من نبذ المجتمع واستعادة القبول الاجتماعي والمكانة بعد الشبهات.
  • نظرية القتل والتستّر: هذا التقاطع في المصالح يشير إلى مؤامرة محتملة. قد يكون القتل بِسم من أرملة أبي بكر (أسماء) التي تعلم أن فاطمة لن تقبل بها ضرة، أو نتيجة شجار عنيف بين عليّ وفاطمة أدى إلى حادث قتل. وقبول أسماء مشاركة عليّ في التغسيل السري كان الإجراء الأمني لـ إخفاء أي دليل على القتل، مما يورط الاثنان في إخفاء الجثة وإتمام الجريمة.

ثالثاً: نقطة التحوّل السياسية - عزلة عليّ ومبايعته (الدليل القاطع)

المحقق (عزلة عليّ بعد الوفاة): الدليل القاطع على أهمية مكانة فاطمة السياسية لعليّ هو ما حدث بعد وفاتها. فالروايات تشير إلى أن عليّ «اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ» أي شعر بالعزلة التامة، فدفعته عزلته إلى أن «فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ».

المحقق (خوف عمر): وعندما طلب عليّ الاجتماع بأبي بكر وحده، حذره عمر من الغدر فقال له: «لَا واللَّهِ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ».

المحقق (الإقرار السياسي): وخلال هذا الاجتماع، بيّن عليّ أن مشكلته الأساسية لم تكن مع أبي بكر شخصياً بل مع موقعه السياسي، وأقرّ بتمسكه بـ الأحقية السلالية، قائلاً: «وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنا بِالأَمْرِ، وَكُنَّا نَرَىٰ لِقَرابَتِنا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ... نَصِيبًا».

المحقق (خلاصة الشبهة): هنا مكمن الشبهة: وصايا مشبوهة، غُسل ليلي، قبر مجهول. الفرضية الأرجح: خيط خفي يجمع الوفيات الثلاث، و"أسماء" هي الحلقة المريبة.

تسلسل مريب (موت فاطمة وعزلته):
  • دافع شخصي/اجتماعي: محاولة عليّ التعدد والفشل النبوي في لجمه ← إزالة فاطمة كشرط لتحقيق التعدد والزواج من أسماء.
  • تسلسل الوفاة والأثر الجنائي: وفاة مفاجئة ← غسل ليلي سري (خلوة غير شرعية) بمشاركة الشاهدة/المستفيدة (أسماء) ← قبر مجهول لإخفاء الأثر.
  • ثالثاً: نقطة التحوّل السياسية - عزلة عليّ ومبايعته (الدليل القاطع): «اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ» أي شعر بالعزلة التامة، فدفعته عزلته إلى أن «فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ». وخلال الاجتماع، أقرّ بتمسكه بـ الأحقية السلالية، قائلاً: «وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنا بِالأَمْرِ، وَكُنَّا نَرَىٰ لِقَرابَتِنا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ... نَصِيبًا».

الملف الثالث: وفاة أبي بكر الصديق (الخلافات المسبقة وخيط أسماء)

القاضي: نعود إلى الخليفة الأول. ما الذي يحيط بوفاته؟

المحقق (الخلفية السياسية - الدافع): عليّ لم يبايع أبا بكر إلا بعد ستة أشهر من وفاة النبي، ثم واجهه بتهمة مباشرة: «لقد استبددت علينا بالأمر»[الطبري 3/431]. وكان هذا يرافقه صراع على أموال عامة أراد أن يأخذها كميراث.

وهذا إخلال متعمد لمفهوم خلافة الراشدين. ونضيف أن عليّ لم يشارك في حروب الردة ولا في الفتوحات الكبرى.اعتزل في بيته 25 سنة لم يشرك بأي فتح وهذه معارضة مباشرة وصريحة لسلطة الخلفاء الراشدين الثلاث ثم بعدمقتل عثمان.

المحقق (الموت الغامض والزواج السريع): الروايات متأرجحة بين حمّى وسم [ابن سعد 3/200]. وكلاهما يصب في الشبهة. ثم أوصى أبو بكر أن لا يغسله إلا أسماء بنت عميس [ابن سعد 3/201]، ثم تزوجها عليّ بعد أيام فقط.

وهذا يذكّرنا بـ الخطبة النبوية القاطعة«لا يدخلنّ رجل على مغيبة بعد يومي هذا» [مسلم 2137].

المحقق (الخيط النبوي): الدليل هو الخطبة النبوية القاطعة. في صحيح مسلم (2137): دخل أبو بكر عليها فوجد رجالاً من بني هاشم عندها، فكره ذلك واشتكى للنبي ﷺ. فقام النبي خطيباً: «لا يدخلنّ رجل على مغيبة بعد يومي هذا». [مسلم 2137].

القاضي (يطرق بمطرقته): إذن استبشاع أبي بكر كان في محلّه، والرسول ﷺ أكّد ذلك بخطبة علنية. وهنا تكتمل دائرة الريبة.

تسلسل مريب (موت أبي بكر):
  • التناقض في الموت: غموض حول سبب الوفاة (حمى طبيعية أم شرب سم؟).
  • تكرار خيط أسماء: توصية أبي بكر بأن تغسله أسماء بنت عميس (ليست محرماً له شرعاً)، ثم زواج عليّ السريع منها.
  • الخلاف النبوي: تكرار الخلوة الشرعية في بيت أرملة (أسماء)، وهو ما أطلقت فيه النبوة حكمها القاطع بـ «لا يدخلنّ رجل على مغيبة بعد يومي هذا».

الملف الرابع: حصار عثمان والخطبة المشفّرة (تحقيق الطموح)

المحقق : سيدي القاضي، طموح الحكم الذي ظهر في رفض الوصية والتأخر عن البيعة، بلغ ذروته في عهد عثمان.

المحقق (الطرف الخفي): في الصفوف الأمامية لحصار عثمان كان محمد بن أبي بكر [الطبري 4/409]. هل هي مصادفة أن يكون ابن أسماء وربيب عليّ، هو في قلب الفتنة الكبرى؟ هذا يعمق الشك في وجود تحالف عائلي يقود للانقلاب.

القاضي (مذهولًا، يطرق على المنضدة): إذن الخطبة لم تكن وعظًا دينيًا عابرًا… بل كانت شاهدًا على جريمة تُحاك ضد المدينة!

المحقق (بحزم قاطع): نعم سيدي القاضي. عثمان محصور... وعليّ يخطب عن لحوم الأضاحي [البخاري]، وهو إشعار تموين للحصار. ثم جاءت كلمة أم المؤمنين أم حبيبة في تاريخ المدينة لابن شبة: طلبت منه: «أجر لي من في الدار». فقال عليّ: «إلا عثمان». فقالت له: «ملكت يا ابن أبي طالب فاسجح»هذا اعتراف خطير: عليّ أعلن نفسه صاحب السلطان والقوة الفعلية، ورفض حماية عثمان نفسه!

المحقق (الصيغة الثانية - التولّي): بعد مقتل عثمان، تولّى عليّ الحكم بلا شورى عامة. والقتلة الذين حاصروا وقتلوا الخليفة صاروا قادة في جيشه. لقد أرجأ القصاص، فقرأه خصومه حمايةً للقتلة.

تسلسل مريب (حصار عثمان):
  • اليد الخفية: وجود محمد بن أبي بكر (ابن أسماء وربيب عليّ) كأبرز قادة الحصار.
  • التواطؤ بالرمز: خطبة عليّ عن الأضاحي أثناء الحصار كتفسير ضمني لإمداد المحاصِرين بالموارد أو كإشارة للتضحية به.
  • الإقرار بالسلطة: اعتراف أم حبيبة لعليّ: «ملكت يا ابن أبي طالب»، ورفضه حماية عثمان، مما يثبت أنه أصبح صاحب القوة الفعلية في المدينة قبل التولي الرسمي.

الملف الخامس: بيعة السيف وادعاء القرابة (صراع الشرف والحكم و نقض إجماع الصحابة باستخلاف الزبير)

المحقق: الشرف ليس نسباً، بل عدل. عثمان أصيب بـ "الرعاف" ورجّح الزبير للاستخلاف: «أما والله إنكم لتعلمون أنه خيركم». لكن عليّ قدم يوم الشورى وادّعى: «أليس فيكم أحد أقرب إلى رسول الله ﷺ مني؟».

القاضي (حازماً): وما كانت نتيجة هذا الادعاء؟

المحقق: كانت بيعة السيف! روى ابن أبي شيبة: «إن الزبير بايع وعليه السيف، قيل له: بايع وإلا قتلناك». فليست شورى عمر، بل بيعة تحت الإكراه. عثمان أخذها بالشورى، أما عليّ، فأخذها تحت السيوف، وترك القصاص، واستند للقرابة. طلب الحكم بلا قصاص انحيازٌ لأهل الدنيا.

تسلسل مريب (بيعة السيف):
  • الادعاء السلالي: إصرار عليّ على أحقيته بالخلافة بناءً على القرابة ونقض ترجيح عثمان للزبير.
  • آلية الحكم: أخذ البيعة بالقوة والتهديد (بيعة السيف)، مما ينسف مبدأ الشورى التي أقرها عمر وعثمان.
  • تجميد العدالة: تفضيل الاستحواذ على السلطة على تطبيق القصاص لدم عثمان، ما عُدّ حمايةً لقتلة الخليفة.

الملف السادس: مقتل عثمان: سقوط الشرف ولعنة المدينة

المحقّق: مقتل عثمان كان أخطر لحظة؛ رمز الشرف: صِهرُ الرسول، جامع القرآن. حاصروه ثمانٍ وأربعين ليلة. حين اقتحموا، كان يقرأ، فسقط أول دم على المصحف عند قوله: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ﴾. انتُهكت حرمة البيت: نائلة قُطعت أصابعها، وصفية بنت حُيَيّ ضُربت بغلتها.

المحقق: لهذا أعلن حسان بن ثابت الشرف مع أهل الشام: الله أكبر يا لثارات عثمانا. البغاة حاصروا وقتلوا، ثم بايعوا عليًّا؛ فقبِل بيعتهم وولّاهم. قال ﷺ: «من أخاف أهلَ المدينة فعليه لعنة الله...» [المصنّف 12/174]. قَبول البيعة من جيش ملعون يعني إضفاء شرعية على الجريمة.

تسلسل مريب (مقتل عثمان):
  • الجريمة الكبرى: اغتيال رمز الأمة (عثمان) داخل بيته وعلى مصحفه بعد حصار طويل.
  • اللعنة النبوية: القتلة هم من دخلوا المدينة عنوة، وعليهم لعنة نبوية صريحة.
  • التطبيع السياسي: قبول عليّ لبيعة هؤلاء البتة، ومنحهم الشرعية السياسية والقيادة، مما حول الجريمة إلى أمر واقع مفروض.

الملف السابع: الجمل والدماء: بأي ذنب قُتلت المودة؟(الاعتداء على الدستور)

المحقّق: وإذا المودة سُئلت: بأي ذنب قُتلت؟ وبأي ذنب قُتل طلحة والزبير؟ القرآن صريح: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا﴾ [النساء: 93]. والوصية النبوية: «لا تَرجِعوا بعدي كُفّاراً يَضرِبُ بعضُكم رِقابَ بعض» [البخاري 7080].

المحقق: طلحة كان شهيداً يمشي على الأرضالزبير كان حَواريّ النبي. فلماذا طُمس سلطان القصاص لعثمان، ثم أُريقت دماء طلحة والزبير وأم المؤمنين في الجمل؟

تسلسل مريب (الجمل):
  • الجناية المزدوجة: إهمال تطبيق القصاص لدم عثمان، ثم التسبب بـ إراقة دماء عظماء الصحابة (طلحة والزبير).
  • خرق الوصية الدستورية: دخول الأمة في أول اقتتال داخلي شامل، مخترقةً التحذير النبوي القطعي: «يَضرِبُ بعضُكم رِقابَ بعض».

الملف الثامن: ازدواج المعايير في القصاص (قضيّة الهرمزان وعبيد الله)

المحقق: سيدي القاضي، ننتقل إلى أخطر مظاهر ازدواج المعايير في العدالة الجنائية. بعد مقتل عمر، قام ابنه عبيد الله بقتل الهرمزان (الذي كان يُشتبه بتورطه في القتل). هنا ظهرت المعضلة:

  • ولاية الدم تحت عثمان: رفض الخليفة عثمان قتل عبيد الله (ابن عمر)، وحكم بالدية من ماله الخاص [11]. وهذا قرارٌ يراعي الفتنة والسياسة العليا.
  • الإصرار بعد 12 سنة: لكن عليّ، وبعد توليه الخلافة بسنوات، لم ينسَ القضية. فقد أصرّ على قتل عبيد الله [11]، وكأنه يريد تطبيق حدٍّ انفرادي متأخر على قضية حُسمت من الخليفة السابق.
  • رسالة معاوية: هذا الإصرار دفع معاوية لمخاطبة عليّ برسالة حاسمة، يتهمه فيها بمحاولة إحياء دمٍ قديم: «حاولت قتل ولده لأنه قتل قاتل أبيه...» [16].

القاضي (بصوت يرتفع): يا للمفارقة! ألا يضع هذا تساؤلاً حول أولويات العدالة؟ رفض القصاص لدم عثمان (الخليفة الشرعي)، وإصرار على القصاص لدم الهرمزان (غير المسلم الذي ثبت تورطه).


الملف التاسع: التوجه نحو القوة العارية (الحرق والقصاص المُعلَّق)

المحقق: هذا الإصرار يوضح نمطًا متصاعدًا. عليّ يرفض القصاص الذي يهدد سلطانه (دم قتلة عثمان)، لكنه يصرّ على القصاص الذي يثبت سلطته القضائية المتفردة (دم الهرمزان). هذا النمط انتقل من العدالة المعلقة إلى القوة العارية.

المحقق (حرق المعارضة): عندما واجه المعارضة المسلحة في صفوف الخوارج، لم يكتفِ بمواجهتهم في النهروان. بل اتخذ إجراءً لم يسبقه إليه أحد من الراشدين: حرق بعض مخالفيه بالنار. هذا العمل يمثل خرقًا لمبدأ "لا يعذّب بالنار إلا رب النار" ويوضح نزوعه المتزايد لاستخدام أقصى درجات القوة ضد معارضيه.

المحقق (وجهة الصراع): هذا المسار جعله يتجه حتمًا نحو المواجهة مع معاوية. فبينما يطالب معاوية بـ القصاص أولًا لدم عثمان، كان عليّ يركّز على إثبات سلطته في الداخل عبر الإنفاذ بالقوة، حتى لو كان ذلك عبر دماء قديمة أو حرق معارضة. هذا النزاع على تطبيق القوة هو ما دفع به نحو الصدام الحتمي مع معاوية ومن ثم النهاية المأساوية.


الملف العاشر: محاولة التستُّر عبر الأجيال وبروفايل عليّ السياسي

المحقق: سيدي القاضي، يجب أن نفحص كيف تم التستُّر على الشخصية السياسية التي ربطت تلك الأحداث.

أولًا: «قاعدة الإمساك» — آلية التستر وتضليل الوعي:

المحقق: نعرض للمحكمة ما سمّيناه قاعدة الإمساك: وهي الإمساك عن الكلام في عليٍّ وآله، مقابل إطلاق العنان للطعن في خصومهم. هذا المبدأ تبلور في ظلّ العباسيين وحصّن نقد عليّ في الوعي الجمعي، بينما لُقِّب خصومه بألقاب: «الناكثون/القاسطون».

القاضي: تُقيَّد المحكمة هذه القاعدة على أنها آلية تستُّر و«تحريف سردي» عطّل أدوات المراجعة وأخفى الشبهات.

ثانيًا: بروفايل «الشخصية السياسيّة» لعلي — قرائن عملية:

الاستعجال بالغنيمة: أخْذُ جاريةٍ من السبي قبل القسمة [N] — وقد أثار ذلك غضبًا وعتبًا بين الصحابة.

حادثة العباس: في مجلس عمر، قال العباس مشيرًا إلى علي: «هذا الكاذبُ الآثمُ الغادرُ الخائن» [P] بحضرة عثمان والزبير وسعد، ولم يُنكِر أحدٌ.

شهادةُ أهل العلم: قال ابن تيمية: «لم يكن كذلك علي، فإن كثيرًا من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويقاتلونه». وقال ابن سيرين: «كانوا يرون أنّ عامة ما يُروى في فضائل علي كذب» [20].

الخلاصة القضائية للجلسة:

القاضي (يطرق): تُثبت المحكمة وجود محاولة تستُّر منهجية تحت عنوان «الإمساك»، أنتجت طوطمًا سياسيًا عطّل النقد التاريخي. كما تُثبت أنّ بروفايل الشخصية ينسجم مع نمط الجلسات السابقة: نقض الاستحلاف، وتغوّل السيف على الشورى.


الخاتمة: علامات استفهام مفتوحة

القاضي (متأمّلًا): ثلاث علامات كبرى: (1) خيط أسماء يربط الوفيات الكبرى. (2) طموحُ الخلافة الذي كشفه حديث الوصية. (3) الدماء المسفوكة: من دم عثمان إلى دم طلحة والزبير.

المحقّق (بصوت خافت): الخيط الأكبر: هل كان طموحُ الخلافة هو العقل المدبّر الذي ربط هذه القضايا جميعاً، من الامتناع عن سؤال النبيإلى سفك دماء الصحابة؟

الراوي: التاريخ لم يُصدر حكمًا، لكنه أبقى الألغاز مفتوحة… فهل هي مصادفات، أم خيانة كبرى لقوله ﷺ: «لا تَرْجِعُوا بعدي كُفّارًا، يضربُ بعضُكم رقابَ بعض»؟


سجلّ المستندات (مختارات)

المرجعالمصدر والنص المختصر
[البخاري 5712]نهي النبي ﷺ الصريح عن اللدّ في مرضه.
[أحمد 24852]غضب النبي ﷺ بعد لَدّ أسماء.
[الطبري 3/428]رفض عليّ طلب العباس أن يسأل النبي الوصية، خوفًا من المنع.
[البخاري 5232]حديث النبي ﷺ الواضح عن الخلوة: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ... الحَمْوُ المَوْتُ».
[مسلم 2137]خطبة النهي عن دخول الرجال على المغيّبات بعد حادثة أبي بكر وأسماء.
[ابن تيمية 12]نقد ازدواج المعايير في تطبيق القصاص، وإصرار عليّ على قتل عبيد الله.
[ابن قتيبة P]خصومة العباس وعليّ، ولفظ العباس: «هذا الكاذبُ الآثمُ الغادرُ الخائن».
[البخاري 7080]الوصية النبوية الجامعة: «لا تَرجِعوا بعدي كُفّاراً يَضرِبُ بعضُكم رِقابَ بعض».
[ابن شَبّة M]قول أم المؤمنين أم حبيبة لعليّ: «ملكت يا ابن أبي طالب فأسجح».
[ابن سيرين 20]«كانوا يرون أن عامة ما يُروى في فضائل علي كذب».

✍️ سيناريو: رضا شرارة