تفكيك "أسطورة خيبر": كيف سرقت الكوفة تاريخ الصحابة لتصنع "الرجل الخارق"؟
في كل مرة يُراد فيها تضخيم الرصيد السياسي لتيار معيّن، تلجأ الدعاية الكوفية–العباسية إلى صناعة رواية منفردة، تُقطع من سياقها، وتصادم كبار الشهود والحقائق الميدانية، لتُنسب بطولة حصرية لعلي بن أبي طالب. ومن أشهر هذه المرويات التي يتداولها الوعّاظ كمسلمات بينما هي عند التحقيق العلمي هباء منثور: «حديث الراية ومقتل مرحب».
أولاً: القاعدة الذهبية – إذا خالف حديثٌ ما هو أصحّ منه فهو شاذّ
رجال العلل قالوا قاعدة لا خلاف عليها: «إذا خالف حديثٌ صحيحُ الإسناد حديثاً أصحّ وأثبت فهو شاذّ مردود».
هنا نجد أن:
- رواية أنس (البخاري 371): شاهد عيان، يروي أن النبي ﷺ قاد الهجوم، واقتحم الأزقة، وفتح الحصون وقسم الغنائم بنفسه.
- رواية سهل بن سعد (البخاري 4210): طفل عمره ١١ سنة، لم يحضر خيبر، ويروي فتحاً لم يشهده!
الحكم الحديثي: رواية الغائب تُطرح أمام رواية الشاهد.
ثانياً: البخاري ذاته أسقط أسطورة «فتح خيبر بيد علي»
أعظم ما يكشف زيف الفهم الشائع أن البخاري وضع حديث الراية تحت باب: «فضل من أسلم على يديه رجل» ولم يضعه تحت:
- باب القتال
- باب الفتح
- باب الراية
- باب مقتل مرحب
الرواية تتحدث عن: دعوة سلميّة إلى الإسلام وليس قتالاً أو فتحاً عسكرياً.
النصّ واضح:
«أقاتلهم؟»
قال ﷺ: «لا… على رسلك… ادعهم إلى الإسلام… فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم».
هذا فتح دعوي وليس فتحاً حربياً.
ثالثاً: سرقة مقتل مرحب – الجريمة التاريخية التي تمّ التستر عليها
المصادر المبكرة تثبت:
- مرحب قتل محمود بن مسلمة.
- القصاص يكون لأخيه محمد بن مسلمة.
- محمد بن مسلمة هو الذي بارز مرحب وقتله.
- النبي ﷺ أعطاه سلب مرحب.
الكوفيون محوا هذه الحقيقة ونسبوا مقتل مرحب إلى علي. الذهبي قال: «باطل» – ابن كثير: «لا يصح».
رابعاً: سرقة نصّ «الراية» من النعمان بن مقرن
قبل نهاوند قال عمر عن النعمان بن مقرن:
«لأقلدنّ أعنتها رجلاً يكون غداً لأول أسنة تلقاه»
النص نفسه نُقل حرفياً إلى رواية خيبر! هذه ليست مصادفة بل استنساخ كوفي متأخر.
خامساً: أسطورة «الباب»… أكبر كذبة في تاريخ المغازي
قصة اقتلاع الباب راويها الوحيد: أبو رافع، مولى بني هاشم – ومثل هذه الروايات لا تُقبل.
قال الذهبي: «فيه نكارة» وقال ابن كثير: «ضعيف جداً» وقال البيهقي: «لا يثبت»
الحقيقة: لا توجد رواية صحيحة تثبت أن علي قاتل في خيبر أصلاً.
سادساً: فتح الباري ينسف الأسطورة نسفاً
- فتح معظم حصون خيبر تمّ قبل قدوم علي
- علي كان رمد العين ولم يشارك في البداية
- عاد إلى النبي ﷺ ومعه تمر وعجوة من صلح
ابن حجر: «ثبت أن معظم حصون خيبر فتحت قبل قدوم علي»
سابعاً: الرواية الكاملة تخالف الأسطورة الكوفية
النصّ الكامل يكشف أن النبي ﷺ أرسل علياً:
داعية لا مقاتلاً،
ومفاوضاً لا فارساً،
ومرتجعاً للتمر لا قاهراً للحصون.
ثامناً: سقوط آخر… غياب كلمة «إن شاء الله» يكشف عدم نبوية اللفظ
الحديث يقول: «لأعطين الراية غداً» من دون «إن شاء الله».
والله أمر نبيه صراحة:
{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}
كيف يخالف النبي أمراً إلهياً مباشراً؟ غياب «إن شاء الله» وحده قرينة قوية على أن النصّ من تصرف الراوي لا من كلام النبي.
تاسعاً: هل يمكن الجمع بين «حامل الراية» و«القائد الفاتح»؟
يحاول البعض اليوم الترقيع بسؤال: «أليس من الممكن أن يكون النبي ﷺ هو القائد، وعلي مجرد حامل للراية؟»
1 — حامل الراية يقاتل ويُستهدف… وهذا ينافي حال علي صاحب الرمد
حامل الراية في المعارك هو الأكثر عرضة للضرب، فكيف يناسب رجلاً كان لا يرى من الألم؟
2 — الرواية لا تقول «حمل الراية» بل تقول: «يفتح الله على يديه»
وهذا يناقض رواية أنس ويجعل الجمع مستحيلاً.
3 — الفتح العسكري لخيبر واقعة واحدة لا تتكرر
إما أن النبي ﷺ هو الفاتح أو علي هو الفاتح ولا يمكن للروايتين أن تجتمعا.
4 — البخاري بوّب الحديث في «الدعوة للإسلام» لا في «القتال»
إذا كان علي مجرد «داعية» فلا معنى للحديث كفتحٍ عسكري.
الخاتمة: سقوط الرواية = سقوط الأسطورة = سقوط البناء الكوفي كله
بعد جمع:
البخاري، فتح الباري، كتب السيرة، أقوال الذهبي، البيهقي، ابن كثير،
ومنهج النقد الحديثي — تتأكد الحقيقة:
- علي لم يفتح خيبر
- لم يقتل مرحب
- لم يقتلع الباب
- لم يقُد المعركة
- مهمته كانت دعوية سلمية
- والفتح كان بقيادة النبي ﷺ حصراً
هكذا يسقط الوهم، ويبقى التاريخ واضحاً: فاتح خيبر هو محمد ﷺ وحده.