قضايا جرائم غامضة تحت مجهر الشكّ
✍️ شرارة رضا — قاعة افتراضية: القاضي على منصّته، محقّق يقلب الملفات الصفراء، دفاع متحفّز، وجمهور يهمس كالموج.
المشهد
قاعة افتراضية ضخمة. القاضي شامخ على منصته، أمامه ملفات صفراء قديمة؛ محقق إلى جواره يقلب الصفحات؛ الدفاع يحدّق مترصّدًا؛ والجمهور يملأ القاعة بالهمس والدهشة.
القاضي (يطرق): «ابدأ أيها المحقق».
الملف الأول: وفاة النبي ﷺ (حادثة اللَّدّ)
القاضي: ما أوّل ما لديك؟
المحقّق: سيدي القاضي، ملف خطير: مرض النبي ﷺ الأخير. قال بوضوح: «لا تُلدّوني» أي لا تُسقوني دواءً قسرًا [البخاري 5712]. لكن لما أُغمي عليه قامت أسماء بنت عميس بلدّه وسقته الدواء. فلما أفاق غضب قائلًا: «هذا من فعل نساءٍ جئن من الحبشة» — إشارةً إلى أسماء [أحمد 24852]. وبعد أيام… مات رسول الله ﷺ.
الجمهور يضج، والقاضي يطرق بالمطرقة.
الملف الثاني: وفاة أبي بكر الصديق
المحقّق: الروايات متناقضة: قيل اغتسل فحمّت عليه فمات [الطبري 3/428]؛ وقيل مات مسمومًا [ابن سعد 3/200]. والأغرب: أوصى أن لا يغسله إلا أسماء بنت عميس [ابن سعد 3/201]—والراوية للوصيّة هي نفسها! ثم تزوّجها عليّ بعد أيام قليلة.
ولا ننسى أنها: أمّ محمد بن أبي بكر (ربيب علي)، وأمّ محمد بن جعفر… وهذان حضرا مشاهد الفتنة.
القاضي (مستغربًا): وما الدليل على الريبة؟
المحقّق: في صحيح مسلم [2137]: دخل أبو بكر عليها فوجد رجالًا من بني هاشم عندها، فكره ذلك، فقام النبي ﷺ خطيبًا: «لا يدخلنّ رجلٌ على مغيبةٍ بعد يومي هذا».
القاضي (يطرق): ليس اجتماعًا بريئًا إذن؛ استبشاع أبي بكر في محلّه، والخطبة النبوية تُقرّه.
الملف الثالث: وفاة فاطمة رضي الله عنها
القاضي: وماذا عن بنت رسول الله؟
المحقّق: ماتت شابّة بعد أبيها بأشهر. دفنها عليّ ليلًا سرًّا بلا صلاة عامة [البخاري 4240]، وقبرها إلى اليوم مجهول. وقالت أسماء: «غسّلتها أنا وعليّ» [ابن سعد 8/19].
الجمهور يهمهم بدهشة: «أسماء… ثانيةً!»
المحقّق: نعم، والهجرة ليست صكّ براءة؛ فقد هاجر عبيد الله بن جحش ثم ارتدّ في الحبشة [ابن سعد 1/260].
القاضي (غاضبًا): نصّ التحذير النبوي: «إيّاكم والدخول على النساء… الحمو الموت» [البخاري 5232/مسلم 2172]. إن كان دخول القريب «موتًا»، فكيف بخلوة الغسل مشتركة؟
الملف الرابع: غضب فاطمة على عليّ
المحقّق: أراد عليّ الزواج من بنت أبي جهل—فقامت فاطمة للنبي ﷺ غاضبة [البخاري 5230/5231]؛ فاعتلى المنبر: «فاطمة بضعةٌ مني… لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجلٍ واحد»، ثم عرّض بعليّ وأثنى على العاص بن الربيع: «حدّثني فصدقني، ووعدني فأوفى». وفي رواية أخرى: مبيتُ عليّ خارج البيت حين غضبت [البخاري 4419]. وطلبت خادمًا فلم يُقض لها [البخاري 3705].
القاضي (ينهض صارخًا): هذا إعلانٌ من على المنبر، لا همسَ بيت! القاعدة: «يُؤذيني ما آذاها». لا حصانة لأحد أمام ميزان البضعة.
الجمهور يهتف: «الله أكبر! الحق ظهر!»
الملف الخامس: حصار وخطبة علي ثم مقتل عثمان
المحقّق (يرفع صحيح البخاري – كتاب الأضاحي): عثمان محصور في داره، بينما عليّ يخطب العيد عن لحوم الأضاحي [البخاري/الأضاحي]. لم يذكر الحصار ولا الخليفة المحاصر.
أحد الحاضرين (يصرخ): «الخليفة محصور، والخطيب عن اللحوم؟!»
القاضي (يضرب مطرقته): النظام! — أيها المحقق؟
المحقّق (بحزم): ليست «لحومًا» عابرة؛ كانت المؤن قد نفدت عند المحاصرين. الدفع باتجاه إنفاق اللحوم خارج الادّخار يُفهَم كإشعار تموين للحصار… حتى يأكل الناس لحوم الصحابة إن لزم!
القاضي (مذهولًا): إذن الخطبة شاهدٌ مُشفَّر على الجريمة.
المحقّق: وتزيدها كلمة أم المؤمنين في تاريخ المدينة: «أجِرْ لي مَن في الدار»، قال: «إلا عثمان»، قالت: «ملكتَ يا ابن أبي طالب فأسجِح». اعتراف بيد السلطة مع امتناع حماية الخليفة.
وفي الصفوف الأمامية للمحاصرين: محمد بن أبي بكر—ربيب علي [الطبري 4/409].
الملف السادس: التمويل والأضاحي
المحقّق: سؤال حاسم: من موّل آلاف المحاصرين؟ جاءوا كحُجّاج لا كجيش نظامي. وكان لعليّ ثراء من فَيْءٍ ومزارع، ثم صعد المنبر يحثّ على عدم ادّخار لحوم الأضاحي. القاضي (مطرقًا): تُسجّل المحكمة أن الخطبة ليست بريئة؛ بل خُطّة تموين.
الملف السابع: لعنة المدينة
المحقّق (يرفع «المصنّف» لابن أبي شيبة): «من أخاف أهلَ المدينة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين…» [المصنّف 12/174]. البغاة حاصروا المدينة وقتلوا عثمان، ثم بايعوا عليًّا؛ فقبِل بيعتهم وولّاهم.
الجمهور (بصوت واحد): إذن… الجيش ملعون!
الملف الثامن: أسئلة بلا أجوبة
المحقّق (يرفع يده للصمت): قبل فرض «حصانة قدسية»، واجهوا الأسئلة: لماذا لم يُطع في الحديبية [البخاري]؟ لماذا استعجل جاريةً قبل القسمة [أبو داود]؟ لماذا بنت أبي جهل [البخاري]؟ لماذا التعريض على المنبر [البخاري]؟ لماذا تأخّر عن بيعة أبي بكر ستة أشهر [البخاري]؟ لماذا لم يشارك في الردة؟ لماذا دفن فاطمة سرًّا [البخاري]؟ لماذا لم يقتص من قتلة عثمان [الطبري]؟ لماذا قاتل طلحة والزبير ثم صفّين؟ لماذا ارتفع قتلة عثمان في الجيش؟ لماذا ورّث الحكم لابنه [ابن الأثير]؟
أسئلة لا تحتاج تعليقًا—تحتاج شجاعة نظر.
الملف التاسع: سؤال المحقّق الختامي
القاضي: أخيرًا… هل عندك ما تختم به؟
المحقّق (يتقدّم، صوته عميق): قبل الوفاة بثلاثة أيام، قال عليّ: «هو بخير»، بينما قال العباس: «إني لأرى الموت في وجهه… اطلبوا منه أن يوصي» [الطبري 3/428]. رفض عليّ طلب الوصيّة: «لا، فإن منعنا لم يُعطِها لنا». لو طلب فقوبل بالرفض علنًا، سقطت حجّته للأبد.
الخاتمة
القاضي (متأمّلًا): علامات استفهام كبرى: (1) موت الرسول ﷺ، (2) موت أبي بكر: حُمّى أم سم؟ (3) موت فاطمة شابّة، (4) الدفن السريّ: وصية أم تستّر؟ (5) طموحُ الخلافة قبل الوفاة وبعدها؟ (6) حصار عثمان: عفوي أم انقلاب منظم؟
المحقّق (بصوت خافت): الخيط الأكبر: هل كان طموحُ الخلافة هو العقل المدبّر الذي ربط هذه القضايا؟
الراوي: التاريخ لم يُصدر حكمًا، لكنه أبقى الألغاز مفتوحة… فهل هي مصادفات، أم خيطٌ طويل دبّرته عقول طامحة منذ رحيل الرسول ﷺ؟