مجلة معاوية بن أبي سفيان
مجلة معاوية بن أبي سفيان

سقوط أسطورة «العشرة المبشّرين بالجنة» — أكبر خدعة روائية في التراث السياسي

تاريخ النشر: ٠٧ ديسمبر ٢٠٢٥
وقت القراءة: 2 دقائق قراءة
رئيس  تحرير مجلة معاوية أبن ابي سفيان
كاتب المقال: رئيس تحرير مجلة معاوية أبن ابي سفيان
عدد المقالات:
سقوط أسطورة «العشرة المبشّرين بالجنة» — أكبر خدعة روائية في التراث السياسي

سقوط أسطورة «العشرة المبشّرين بالجنة» — أكبر خدعة روائية في التراث السياسي

في صحيح البخاري — أصح كتاب بعد القرآن — لا وجود لشيء اسمه «العشرة المبشّرون بالجنة». والبشارة الثابتة بالنص ليست إلا لثلاثة فقط: أبو بكر، عمر، عثمان. أما قائمة «العشرة» فهي بناءٌ هشّ، وعندما فُحصت أسانيدها التسعة سقطت كلها من أولها إلى آخرها.


أولاً: المبشّرون الثلاثة في صحيح البخاري فقط

جاء في صحيح البخاري (المصدر: الصورة رقم 1):

«ائذن له وبشِّره بالجنة» — لأبي بكر. ثم «ائذن له وبشِّره بالجنة» — لعمر. ثم «ائذن له وبشِّره بالجنة» — لعثمان.

لا ذكر لعلي، ولا طلحة، ولا الزبير، ولا سعد، ولا غيرهم. وهذا وحده يكفي لإسقاط القائمة الشعبية المتأخرة.


ثانياً: انهيار أسانيد «العشرة المبشّرين» — تسعة أسانيد كلها ساقطة

1 — الإسناد الأول (سنن أبي داود): لا يصح

رواه: عبد الله بن ظالم. قال البخاري (المصدر: الضعفاء الكبير — الصورة 2): «هذا الإسناد لا يصح». ووصفه: «ضعيف، ليّن الحديث، له مناكير».

2 — الإسناد الثاني (سنن أبي داود): لا يصح

الراوي: عبد الرحمن بن الأخنس — مجهول الحال. قال الذهبي (المصدر: تهذيب التهذيب — الصورة 1): «لا يُعرف». والمجهول لا يُحتج بحديثه.

3 — الإسناد الثالث (الترمذي): لا يصح

الراوي: الدراوردي — سيّء الحفظ، لا يُقبل تفرده في الفضائل.

4 — الإسناد الرابع (الترمذي): لا يصح

الراوي: موسى بن يعقوب — ضعيف، منكر الحديث.

5 — الإسناد الخامس (المعجم الأوسط للطبراني): لا يصح

الراوي: حبيب بن أبي ثابت — مدلّس وقد عنعن الحديث، فسقط.

6 — الإسناد السادس (الطبراني): لا يصح

علتان: ١– محمد بن أبي السري: ضعيف. ٢– عطاء بن مسلم: منكر الحديث. فالرواية مضروبة.

7 — الإسناد السابع (الطبراني): لا يصح

الراوي: علي بن زيد بن جدعان — شيعي، كثير التخليط، رفاع (ينسب إلى النبي ما لم يقله).

8 — الإسناد الثامن (مسند أحمد): لا يصح

الراوي: رياح بن الحارث — شيعي شهد صفين. قال بشار عواد معروف: «رتبته: صدوق». والصدوق — كما في كتاب أصول التخريج (الصورة 3–4): يكتب حديثه ولا يُحتج به.

9 — الإسناد التاسع (معرفة الصحابة): لا يصح

الراوي: عباد بن صهيب — متروك الحديث، وهو أسوأ درجات الضعف.


ثالثاً: فصل منهجي — صفعة مناظراتية تمسح الأرض بمن يحتج بحديث «العشرة»

1 — الصحيحان خاليان من الحديث

غيابه عن البخاري ومسلم كافٍ لإسقاطه في العقائد والفضائل الكبرى.

2 — كل أسانيده ساقطة

ليس هناك سند واحد يثبت الحديث.

3 — الحديث يخالف الصحيح الثابت

البشارة الواردة في البخاري لثلاثة فقط، لا عشرة.

4 — الحديث يناقض التاريخ نفسه

لو كان علي مبشَّرًا لذكر ذلك في مواقفه السياسية ولم يجعله سلاحًا؛ لكنه لم يذكره قط.

5 — الرواية استُعملت كأداة دعائية لا كحديث نبوي

ولذلك لا تجد أحدًا من السلف الأوائل يحتج بها في الاختيارات السياسية.


رابعاً: الفصل السياسي–التاريخي — كيف اختلقت الدعاية العبّاسية رواية «العشرة»؟

لم تظهر صيغة «العشرة المبشّرين» في القرن الأول. لم يروها كبار الصحابة. لم يحتج بها علي نفسه، ولا بنوه، ولا معاوية، ولا أحد من خلفاء صدر الإسلام.

ظهور الرواية وانتشارها جاء في العصر العبّاسي، حين كانت الدولة تبحث عن صياغة «سُنّية رسمية» متوازنة:

  • رفع مكانة رموز المعارضة القديمة (علي – الزبير – طلحة).
  • موازنة تفوق بني أمية السياسي.
  • خلق قائمة فضائل «جامعة» تُرضي كل الأطراف.
  • تجميل صورة معارضة عثمان، بتسوية الجميع في الرتبة الروحية.

الرواية — بهذا الشكل — ليست نتاج حديث نبوي، بل نتاج هندسة سياسية أرادت ترميم الشرعية التاريخية وسط صراع مذهبي.

وهذا يفسر:

  • اضطراب المتون.
  • كثرة الرواة الضعفاء.
  • اختلاف الأسماء بين الروايات.
  • ظهور علي فيها رغم أن البخاري لم يذكره في البشارات.
  • إضافة سعيد بن زيد لنفسه: «أنا!» مما يدل على صنعة الأخباريين.

إنها ليست «سنة نبوية»… إنها «إعادة صياغة للذاكرة الجماعية» صنعتها السلطة العبّاسية لتوازن التاريخ لا لترويه.


خامساً: فقرة شكر — إلى الأخ والصديق «العبّاسي السابق»

في هذا الملف الضخم، لا بد أن نسجّل الامتنان لرجلٍ سبق الجميع جرأةً وصدقًا:

الأخ والصديق الحبيب… العبّاسي السابق

كان أول من كشف خدعة «العشرة»، وأول من واجه هذا الملف دون خوف، وأول من فضح الأسطورة بروح الباحث الحر… جزاه الله خيرًا، وجعل علمه نورًا، وصحته دائمة، وأيامه طيبة مباركة.

لقد كنتَ — وما زلت — راية لم تجد الأمة مثلها أصلب ولا أصدق.


النتيجة النهائية

بعد فحص تسعة أسانيد: لا واحد منها يصح. والصحيح الثابت: البشارة بالجنة لثلاثة فقط — أبو بكر، عمر، عثمان.

أما حديث «العشرة» فليس إلا أضعف ملف فضائل في التراث السني، نشأ سياسيًا، وتداولته القرون بلا نقد حتى جاء وقت المراجعة العلمية.

مجلة معاوية بن أبي سفيان

منصّة بحثية نقدية بلا مجاملات؛ نقول الأشياء كما هي ونحتكم إلى الدليل.

تحقيقات مسندة نقاش منضبط بلا تجريح خصم ‎17%‎ على السنوي