مالك الأشتر… ملكُ التوبات الكاذبة وشريكُ جريمة قتل عثمان رضي الله عنه
تمهيد
لم يكتفِ قتلةُ عثمان بن عفان رضي الله عنه بطعن الخليفة المظلوم في داره، ولا بحرمانه الماء، ولا بقطع أصابع زوجته، بل امتدّ الإجرام إلى زماننا في صورة جديدة: تبييض صفحة القتلة، وتزوير التاريخ، والادعاء أن رؤوس التأليب تابوا وندموا.
وفي مقدّمة هؤلاء الذين تُبذل اليوم محاولات يائسة لتبرئتهم:
مالك بن الحارث النَّخعي المشهور بمالك الأشتر؛ رأس وفد الكوفة، وقائد المحرّضين على عثمان، وواحد من أعتى قادة الفتنة.
هذه المقالة تسعى إلى:
- تثبيت دوره في التأليب على عثمان.
- بيان اعتدائه على عرض النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة صفية.
- كشف كذبة “توبته” المتكررة.
- بيان الحكم الشرعي في مثل جريمته بوصفها قتل غِيلة لا يسقط بالعفو ولا بالتوبة الكلامية.
أولاً: الأشتر رأس الوفد الكوفي المحاصر لعثمان
تجمع الروايات التاريخية على أن الأشتر كان من رؤوس الفتنة القادمين من الكوفة؛ مهمتهم:
- تأليب العامة على عثمان.
- حصار داره ومنع الماء عنه.
- الضغط المستمرّ حتى تسقط هيبة الخليفة، ويتجرّأ السفهاء على دمه.
وكلّ ما يروَّج اليوم عن “براءته” أو أنه “لم يشارك في القتل المباشر” لا يغيّر الحقيقة؛
فالشرع والعقل يجعلان المحرِّض والشاحن والمحاصر شريكًا كاملًا في الجريمة؛ لأن القتل لم يكن ليقع لولا ذلك التحريض.
ثانيًا: اعتداء الأشتر على أم المؤمنين صفية رضي الله عنها
الجريمة لم تقف عند عثمان نفسه، بل امتدت إلى بيت النبوة.
روى البخاري في التاريخ الكبير، وأحمد في المسند، وابن سعد في الطبقات، وغيرهم – بأسانيد صحّحها عدد من المحققين – عن كِنَانة مولى صفية قال:
«كنت أودّ أن أنصر عثمان، فذكرت ذلك لصفية بنت حييّ – أم المؤمنين –، فركبت بغلتها تريد دار عثمان لتدفع عنه، فلقيها الأشتر فضرب وجه دابّتها حتى كادت تسقط، فقالت صفية:
“ذَروني لا يفضحني هذا الكلب”، ثم رجعت…» (المعنى).
هذه الرواية التي نقلها عدد من أهل العلم وقرّروا صحة إسنادها، تثبت ثلاثة أمور خطيرة:
- أنّ الأشتر اعترض أم المؤمنين صفية في طريقها لنصرة عثمان.
- أنه اعتدى على دابّتها؛ حتى خافت أن تنكشف وتتعرّض للفضيحة بين الناس.
- أن أم المؤمنين لم تره إلا ككلب من كلاب الفتنة، لا يُتقرَّب إلى الله تعالى بحبّه ولا الدفاع عنه.
ومن العجيب بعد هذا أن يخرج علينا عباسي متشيّع اليوم ليجعل من الأشتر “تابعًا راشدًا” أو “مجاهدًا صادقًا”، بينما الصحابة وأمهات المؤمنين كانوا يرونه جلّادًا من جلادي الفتنة.
ثالثًا: الأشتر ملكُ “التوبات” الكاذبة
1. إرسال رؤوس الفتنة إلى الشام
لما وصلت أخبار غوغاء الكوفة إلى عثمان رضي الله عنه، كتب إلى والي الكوفة أن:
«اقبض على رؤوسهم، وابعث بهم إلى معاوية في الشام؛ لعلهم يرجعون إلى الحق».
فقُبِض على الأشتر ومن معه، وأُرسلوا إلى معاوية. فرأى معاوية أن هؤلاء لا ينفع معهم إلا سوط عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والي حمص، فأرسلهم إليه.
فلمّا وصلوا إلى عبد الرحمن:
- جلدهم جلدًا شديدًا.
- وأذلَّهم، وضرب على أيديهم.
- حتى ادّعوا التوبة وأظهروا الندم.
فكتب عبد الرحمن إلى عثمان أنهم تابوا وأقلعوا، فأمر عثمان بإرجاعهم إلى بلادهم.
2. توبة ثانية أمام عثمان… ثم نكث ثالث
لم تكد أقدامهم تطأ المدينة حتى جاؤوا بين يدي عثمان وجددوا التوبة مرّة ثانية:
- تعهّدوا ألا يؤلّبوا عليه.
- وأقسموا ألا يثيروا الناس.
لكن ما إن أطلق سراحهم حتى:
- عادوا إلى الكوفة.
- أعادوا حملات التحريض.
- ثم قاد الأشتر وفود الفتنة التي حاصرت عثمان مرة أخرى حتى قُتل شهيدًا في داره.
إذن نحن أمام رجل:
- يعترف ضمنًا بدوره حين يذهب مكبَّلًا إلى معاوية ثم إلى عثمان.
- يدّعي التوبة مرّتين، ثم ينكث في الثالثة، فيعود إلى التأليب حتى تنتهي الجريمة بقتل الخليفة.
فأيّ “توبة” هذه التي يبني عليها العباسيون المتشيعة اليوم دفاعهم عن الأشتر؟
إنها ليست توبة شرعية، بل مسرحية للهرب من العقوبة، وها هو التاريخ يشهد أنه لم يقلع عن الذنب، بل ازداد فيه.
رابعًا: جريمة قتل عثمان… من نوع “قتل غِيلة”
1. تعريف قتل الغيلة
قتل الغيلة في اصطلاح الفقهاء:
أن يُستدرَج الإنسان أو يُخدع أو يُؤخَذ على غِرّة ثم يُقتل، سواء كان القاتل واحدًا أو جماعة.
جريمة قتل عثمان رضي الله عنه تحمل كل صفات القتل غيلة:
- تحريض طويل وتعبئة للرعاع.
- حصار في الدار ومنع الماء.
- اقتحام مفاجئ من جماعة.
- قتل خليفة المسلمين في بيته وبين أهله وهو يقرأ القرآن.
2. حكم قتل الغيلة في الشريعة
اتفق جمهور الفقهاء على أن قتل الغيلة حدٌّ لله تعالى، لا يسقط بالعفو، ولا بالديَة، ولا حتى بعفو السلطان؛ لأنه يهدّد أمن المجتمع كله.
أثر عمر بن الخطاب
روى مالك عن يحيى بن سعيد، أن عمر بن الخطاب:
«قتل خمسة أو سبعة نفر في غلامٍ قتلوه غيلة، وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتُهم به جميعًا».
أخرجه البخاري معلّقًا بصيغة الجزم، وذكره غير واحد من الأئمة محتجّين به في باب قتل الغيلة.
تقرير الفقهاء
- قال الإمام مالك في الموطأ ومعه فقهاء المدينة:إنّ من قتل غيلة يُقتل حدًّا، ولا يقبل فيه عفو أولياء الدم.
- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كتبه:إنّ قتل الغيلة لا يصح فيه العفو؛ لأن الحق فيه لله تعالى.
- وقرّر ابن القيم أن:«قتل الغيلة يوجب قتل القاتل حدًّا، لا يسقطه عفو، ولا تعتبر فيه المكافأة، بل يقتل ولو كان المقتول كافرًا».
واختار هذا القول جمعٌ من المحققين المعاصرين، وصدرت به فتاوى هيئة كبار العلماء، ومنهم مفتي الديار السعودية في قضية معاصرة قُتل فيها رجل غيلة؛ فحكم بأن القاتل يُقتل حدًّا ولو عفا الأولياء.
إذن: لا عثمان ولا غيره يملك إسقاط حدّ الله في مثل هذه الجرائم، فالقاتل يُقتل حدًّا، والتوبة بينه وبين ربّه.
خامسًا: موقف علي من قتلة عثمان بين النصّ والواقع
هنا يبرز السؤال الذي يهرب منه العباسيون المتشيعة:
- إذا كان القاتل غيلةً لا يسقط عنه القتل حدًّا بالتوبة ولا بالعفو،
- فكيف قُبل في جيش علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – رجال شهدوا على أنفسهم بالمشاركة في الفتنة، أو شهد عليهم الثقات أنهم من رؤوس الحصار؟
بل كيف يُجعَل بعض هؤلاء قادةً على الأمصار دون أن يُقام عليهم القصاص؟
هل يسقط الحدّ لمجرّد ادّعاء الندم؟
لو أن قاتلًا في زماننا قتل رجلًا غيلة، ثم خرج على التلفاز يبكي ويقول: “كنتُ كارهاً، ما أحببت الجريمة”، فهل تسقط عنه عقوبة الإعدام في أي نظام قانوني محترم – فضلًا عن شريعة الله؟
حتى قوانين الكفار لا تقبل هذه المهزلة، فكيف يُطلب منا قبولها في حق الخليفة الراشد المظلوم عثمان؟
سادسًا: مقام مالك الأشتر في مصر… إرثٌ فاطمي لا صحابيٌّ فاتح
اليوم يُروَّج في بعض أحياء مصر لـ“مقام مالك الأشتر” على أنّه قبر “صحابي جليل، فاتح، وبطل من أبطال الإسلام”!

- لو كان أهل مصر على سُنّة الصحابة لما قبلوا أن يُرفع لواء رجلٍ ثبتت مشاركته في قتل خليفتهم الراشد.
- لكن التاريخ يقول إنّ مصر خضعت لفترات طويلة للتأثير الفاطمي والعبيدي، ثم لتيارات تخلط بين التشيع والتصوف، فصارت بعض المقامات تُبنى على رموز الفتنة وتُزيَّن باسم “آل البيت”.
ومن حقنا أن نتساءل:
كيف يقبل أحفاد الصحابي الفاتح عمرو بن العاص رضي الله عنه أن تكون في بلدهم مزارٌ لرأس من رؤوس الذين حاصروا وقتلوا خليفة المسلمين عثمان؟
لولا تأثير الرواية الفاطمية والعبيدية لما نُصِب مثل هذا المقام ولا رُوِّج له.
خلاصة في توبة الأشتر المزعومة
بعد هذا العرض، يمكن تلخيص القضية في النقاط الآتية:
- الأشتر أقرّ على نفسه بالفعل؛ إذ اعتُقل مع رؤوس الفتنة، وضُرب، ثم جُعلت له فرصة توبة، فعاد إلى الفتنة بعد ذلك، وهذا أبلغ من الشهادة عليه.
- دعوى أنه “تاب” هي ترقيعة عباسية متأخرة؛ لم يثبت نصّ صحيح أنه أعلن توبةً شرعية مستوفية لشروطها، بل كل ما عندهم حكايات مرسلة أو متأخرة.
- حتى لو سلّمنا جدلًا بالتوبة اللسانية، فإنّ أهم شرط من شروط التوبة – الإقلاع عن الذنب – لم يتحقق؛ إذ بقي في معسكر التأليب، وحضر الحصار، ثم واصل القتال في الجمل وصفين، وقتَل من المسلمين والصحابة من قتل.
- الحدود لا تسقط بالتوبة والندم والبكاء؛ هذا في شريعة الله أولًا، ثم في قوانين البشر ثانيًا، إلا في “شريعة كهنة البلاط العباسي” الذين يحوّلون التوبة المزعومة إلى صكّ غفران سياسي.
- الأشتر اعتدى على عرض النبي صلى الله عليه وسلم بالتصدي لأم المؤمنين صفية، وضرب دابةَها حتى قالت: «ردّوني لا يفضحني هذا الكلب»، ولم يُعرف له توبة من هذه الجريمة.
- الأشتر مثّل نموذجًا للمنافق الذي يتقن تمثيل التوبة للخروج من المأزق، ثم يعود إلى الفتنة في كل مرة، وأتباعه اليوم يكرّرون نفس المسرحية في الدفاع عنه.
- الأشتر يطعن في خيار الصحابة – طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة – ويصفهم بالناكثين، ويؤمن أنهم ماتوا على “ميتة جاهلية” بلا بيعة، فمن أحبّه ووالاه فهو على منهجه.
- والقاعدة النبوية المحكمة: «المرءُ مع مَن أحبّ»؛ نسأل الله أن يحشر كل من أحبّ الأشتر ونافح عنه معه، وأن يحشرنا مع عثمان، وبقيّة الخلفاء الراشدين، وأمهات المؤمنين، وسائر الصحابة الكرام.
