١. خلفية تاريخية: مصر والمذهب الشافعي
ثبت في كتب التاريخ والفقه أن المذهب الشافعي هو المذهب الذي ترسّخ في مصر منذ القرن الثالث الهجري، بعد أن رحل إليها الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت 204 هـ)، وأسس مدرسته في الفسطاط، فصارت مصر بعد ذلك من أبرز معاقل الفقه الشافعي.
وقد تبنّت المدارس الكبرى كـ الأزهر — الذي أسّس لاحقًا في العصر الفاطمي ثم استعادته الدولة الأيوبية — المذهب الشافعي كأصل فقهي، وما زال يُدرَّس إلى اليوم بوصفه المذهب السُّني الرسمي في البلاد.
راجع: الذهبي، تاريخ الإسلام (سنة 204 هـ)، والسبكي، طبقات الشافعية الكبرى ج 1.
٢. الإمام الشافعي وميله إلى آل البيت
لكن حين نعود إلى شخصية الشافعي نفسه كما نقلها المحدثون، نجد أن كبار أئمة الجرح والتعديل نسبوه إلى التشيّع (بالمعنى القديم غير الغالي).
يقول يحيى بن معين كما في مناقب الشافعي للبيهقي (ص 451):
«يُنسب الشافعي إلى التشيّع»،
فقيل له: أتقول هذا لإمام من أئمة المسلمين؟
فقال: «نعم، قد قال في كتاب قتال أهل البغي: إذا قاتل أهلُ البغي عليَّ بن أبي طالب، فذلك أولى أولاده بحق عليٍّ.»
فأنكر الإمام أحمد بن حنبل عليه قائلاً:
«عجبًا لك يا يحيى! أتزعم أن الشافعي يُجيز قتال عليٍّ؟!»
ثم بيّن أن مراد الشافعي إنما هو نصرة الحق لا الغلوّ في آل البيت.
هذا النص يكشف أن الشافعي كان يُتّهم بالتشيّع لمجرد تعاطفه مع آل بيت علي، وهو أمر كان يُعدّ “رفضًا” في عرف المحدثين آنذاك.
٣. قول الشافعي الذي اتُّخذ دليلاً على «تشيّعه»
قال الإمام الشافعي في شعره المشهور (نقله ابن القيم في مدارج السالكين ج 2 ص 91):
«إن كان رفضًا حُبُّ آل محمدٍ
فليشهدِ الثقلانُ أني رافضي»
وهذا البيت وحده جعل بعض أهل الحديث يصفونه بأنه “يميل إلى التشيع” — لا سيما أن “الرافضة” في مصطلح المحدثين كانت تُطلق حتى على من يُظهر المحبة لآل علي " البيت" دون غلوّ.
لكن الردّ الذي أورده شيخ الإسلام ابن تيمية كان بليغًا، إذ قال في مقابله:
«إن كان نَصْبًا حُبُّ صحب محمدٍ
فليشهدِ الثقلانُ أني ناصبي»
٤. من الشافعي إلى الأزهر: الأثر الباطني في المذهب المصري
إن هذا التداخل بين العاطفة العلوية والمنهج الفقهي الشافعي ترك بصمته في التراث المصري. فالأزهر، الذي نشأ في عهد الدولة الفاطمية الشيعية، استمر بعد صلاح الدين الأيوبي في تدريس فقه الشافعي، لكنه احتفظ بطابع وجداني يميل إلى تمجيد آل البيت، وتشييد مقاماتهم، وإقامة الموالد لهم، وهي مظاهر تقترب من الحسّ الشيعي لا من الروح السنية الصافية.
ومن هنا يمكن القول إن المزاج الديني المصري السائد اليوم هو مزيج من:
- فقه شافعي سنّي،
- وعاطفة علوية شيعية في الموروث الشعبي،
- وإرث أزهري توفيقي يحاول الجمع بينهما.
٥. كلمة للمدّعين «السنة» وهم روافض العقيدة
إن من يرفع راية “السنة” في مصر بينما يتبرّك بالأضرحة ويُقدّس أولياء آل البيت دون ضابط شرعي، فقد جمع بين ظاهر سنيّ وباطنٍ شيعيّ.
ولهؤلاء نقول على نهج ابن تيمية:
نعم، نحن “نواصب” إن كان النصب حبَّ أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية، وبغضَ كل زنديقٍ تجرّأ على عرض النبي ﷺ وصحابته وأشرك بالله سبحانه.
المراجع
- ابن القيم الجوزية، مدارج السالكين، ج 2 ص 91.
- البيهقي، مناقب الشافعي، ص 451 وما بعدها.
- الذهبي، تاريخ الإسلام.
- السبكي، طبقات الشافعية الكبرى.
- ابن تيمية، مجموع الفتاوى.

