مجلة معاوية بن أبي سفيان
مجلة معاوية بن أبي سفيان

عن مهمتنا

أمةً بلا بابٍ و شرف هي كمنزلٍ مكشوفٍ، هذه هي الحقيقة المُرّة التي نعيشها ونتجرعها منذ ألف وأربعمائة عام.

لقد أصبحت أمتنا أمةً قد كُسر بابها و شرفها مادياً ومعنوياً، تائهة في الدروب، ضائعة في المسالك، وتوغل فيها عدوها أكثر وأكثر، تماماً كحال من يَتخبّطه الشيطان من المس.

سمّوه قتلاً… وهو في التاريخ بابٌ انكسرْ
ومن شقوقِ الخشبِ تسلّلَ ليلُ الفتنةِ وازدجرْ
يومٌ على المصحفِ المفتوحِ—والنورُ شهِد—انفطرْ،
فانفرطت سبحةُ الجماعةِ، واستُبيحَ منّا الوترْ.
كانَ مقتلُ عثمانَ بنِ عفّانَ: البابَ الذي كُسِرْ،
ومن ورائه اندفعَ الخصامُ، واشتعلَ الجمرُ واستعرْ،
وسقطت هيبةُ الدمِ حين سُفِكَ الدمُ الطاهرُ واعتذرْ،
فغابَ وجهُ الشورى، وارتفعَ السيفُ جوابًا واقتدرْ.
وكان الشرفُ حين انتُهِكَ،
تداعَت الأممُ إلى قصعتِنا كما يَتداعى الجوعُ إذا حضرْ،
تكسّرت أكتافُنا بين طامعٍ ومعتذرٍ ومعتذرْ،
وصرنا نُحصي الخساراتِ: دارًا فدارًا… ودهرًا يُستَدَرْ.
يا أمةَ المصطفى:
لا يُرمَّمُ بابٌ هُدِّمَ بالريحِ والعتبِ والضجرْ،
إلا إذا عادَ العدلُ إمامًا، وعادت الشورى إلى المَدرَجِ الأولِ تُفتَخَرْ،
وإلا سنبقى نكتبُ على الجدارِ:
إن مقتلَ عثمانَ… كان أوّلَ الفاجعةِ—والأخطرْ.

يهدف هذا الموقع إلى توثيق وتحليل حقبة مفصلية في التاريخ الإسلامي، مع التركيز على فترة خلافة عثمان بن عفان والأحداث التي تلت استشهاده. نحن نتبنى رؤية مفادها أن انقسام الأمة الإسلامية قد بدأ بمقتل عثمان، على عكس الروايات التاريخية التي تعتبر وفاة عمر بن الخطاب بدايةً للفتنة.

نحن نرى أن مقتل عثمان قد زعزع أركان الوحدة وأشاع الفوضى، والتي تم احتواؤها بحكمة معاوية بن أبي سفيان وحنكته، رضي الله عنهما. فبفعلته، أنقذ معاوية الأمة، وأعاد لها مجدها، ورسم طريقها، وجمع كلمتها، ووحد صفها، ولمّ شملها.

عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :

كُنَّا نقولُ في زمنِ النبيِّ ﷺ: لا نَعْدِلُ بأبي بكرٍ أحدًا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي ﷺ لا نُفاضِلُ بينهم.

مهمتنا هي أن نقدم لك تحليلاً عميقًا وواضحًا لأحداث هذه الفترة، مع تسليط الضوء على الشخصيات التاريخية والدروس المستفادة من أفعالها. نطمح إلى تقديم منظور فريد لكل من يهتم بالتاريخ الإسلامي وتداعياته السياسية والاجتماعية.


1- عثمان والشرف المهدور

كان مقتل عثمان رضي الله عنه أخطر لحظة بعد وفاة النبي ﷺ؛ لأنه رمز الشرف: صِهرُ الرسول، جامع القرآن، المبشَّر بالجنة. اجتمع الخوارج وعلى رأسهم مالك الأشتر، فحاصروا داره ثمانٍ وأربعين ليلة ومنعوا عنه الماء والطعام1-1. شيخٌ في الثالثة والثمانين، صائم عطشان، لا يملك إلا المصحف بين يديه.

أول قطرة دم على المصحف

حين اقتحموا، كان يقرأ. فوقع أول ما سال من دمه على قوله تعالى: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ﴾، ثم قال: «بسم الله توكلت على الله»، ولما نزف قال: «سبحان الله العظيم»1-21-3. أرادوا إهدار دمه فجعل الله شهادته على المصحف، لتشهد أن المروءة حمايةُ القرآن وأهله لا حصارُهم.

انتهاك حرمة البيت والنساء

  • نائلة زوج عثمان: قُطعت أصابعها وهي تدافع عنه1-4.
  • صفية بنت حُيَيّ: خرجت بالماء تُعين عثمان، فاعترضها الأشتر وضرب بغلتها، فصرخت: «ردوني ولا يفضحني هذا الكلب»1-5.

صوت الشرف في الشعر

رثى حسان بن ثابت رضي الله عنه: الله أكبر يا لثارات عثمانا… وقد رضيتُ بأهل الشام زافرةً… وبالأمير معاوية وبالإخوان إخوانا1-6. فأعلن أن الشرف مع أهل الشام؛ لأنهم حملوا راية القصاص.

خلاصة الفصل

  • سقوط الشرف: منع الماء عن شيخ صائم، قطع أصابع نائلة، ضرب صفية.
  • بقاء الشرف: عثمان «شهيد المصحف»، أمهات المؤمنين في الدفاع، حسان ينادي «يا لثارات عثمان».

2- علي بين الحكم والشرف

بيعة السيف: الإكراه لا الشورى

روى ابن أبي شيبة: «إن الزبير بايع وعليه السيف، قيل له: بايع وإلا قتلناك»2-1. فليست شورى عمر ولا إجماع عثمان، بل بيعة تحت السيف.

ابن عون: لا يعدل أحد بعثمان

قال ابن عون: «لا أعدِل بعثمان أحدًا… ولا أجعل لنفسي عليه سبيلًا»2-2.

عليّ وادعاء القرابة

قال يوم الشورى: «أليس فيكم أحد أقرب إلى رسول الله ﷺ مني؟»2-3. لكن الشرف بالعدل والقصاص لا بالنسب: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾.

الفرق بين الشرف والدنيا

  • عثمان: أخذها بالشورى والإجماع، وثبّت شرفه بجمع القرآن والإنفاق.
  • علي: أخذها تحت السيوف وترك القصاص واستند للقرابة.

الخلاصة: طلب الحكم بلا قصاص انحيازٌ لأهل الدنيا، أمّا الشرف فيقتضي إراقة دم العدل على دم المظلومين لا إهداره.

3- طلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة – أهل الشرف في طلب القصاص

مكث طلحة والزبير ينتظران القصاص، فلما رأيا القتلة جنودًا لعلي، استأذناه بالخروج. التقوا عائشة بمكة ثم قصدوا البصرة يجمعون أهل الشرف طلبًا بثأر عثمان.

موقف أم المؤمنين من عمار

«دخل عمار على عائشة فقال: يا أمه. فقالت: لست لك بأم»3-1. أخرجته من أمومة المؤمنين القرآنية (الأحزاب: 6)؛ فالمُعتدي على حرمتها لا شرف له.

الزبير: مظلوم حتى موته

قال: «ولا أراني إلا مقتولًا مظلومًا»3-2، ثم قُتل غدرًا وقد رجع، فقيل: «بشّر قاتل ابن صفية بالنار»3-3. فأين القصاص؟!

طلحة والقصاص

خرج يطلب دم عثمان فأصابه السهم فقال عند موته: «اللهم خذ لعثمان مني حتى ترضى»3-4.

خلاصة الفصل

  • طلحة: خرج للقصاص.
  • الزبير: أعلن مظلوميته وقُتل غدرًا.
  • عائشة: «لستُ لك بأم» حدٌّ فاصِل في الشرف.

4- سقوط المروءة – الأشتر وعمار وضرب أمهات المؤمنين

مالك الأشتر وضرب صفية

«خرجت صفية بنت حُيَيّ تحمل ماءً لتعين عثمان، فاعترضها الأشتر وضرب بغلتها، فقالت: ردّوني ولا يفضحني هذا الكلب» 4-1.

نائلة زوج عثمان

قُطعت أصابعها وهي تدافع عن زوجها4-2.

عمار مع عائشة

«قال: يا أمه. قالت: لست لك بأم»4-3.

المروءة المهدورة

﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ — لكنهم استبدلوا حياة الشرف بخذلان الصمت.

خلاصة الفصل

  • الأشتر: ضارب أمهات المؤمنين.
  • عمار: نُزع عنه شرف الأمومة القرآنية.
  • نائلة وصفية: شهيدتا الشرف.

5- قضية عبيد الله بن عمر – عدالة عثمان وانتقائية علي

مقتل عمر والمؤامرة

وُجدت قرائن على تواطؤ الهرمزان (مجوسي) وجفينة (نصراني) مع أبي لؤلؤة في طعن عمر؛ فاقتصّ عبيد الله منهما5-1.

موقف عثمان

«أراد الناس قتل عبيد الله… فقال عثمان: لا سبيل إليه، وقد قضيت بالدية»5-2. عدلٌ يمنع الفوضى ويصون الهيبة.

موقف علي بعد 12 سنة

أعاد فتح الملف وطالب بقتل عبيد الله قصاصًا، ودمُ عثمان حاضر بلا قصاص5-3. فكتب معاوية يعاتب: «أردتَ قتل ولده لأنه قتل قاتل أبيه»5-4.

خلاصة الفصل

  • عثمان: عدلٌ بالدّية وإقفال الملف.
  • علي: إعادة ملف قديم وتجاهل دم عثمان الحاضر.

6- معاوية – الشريف صاحب شرف القصاص

انقسم الناس بعد استشهاد عثمان: صامتون، زُهّاد معتزلون، وشُرفاء نادوا: «يا لثارات عثمان». هذا كان حال معاوية؛ لم ينتظر لقبًا ولا مجلسًا، بل تحرّك للقصاص فورًا6-1.

قتلة عثمان الذين أُقيم عليهم القصاص

  1. مالك الأشتر: دُبّر له السم فمات قبل دخول مصر6-2.
  2. محمد بن أبي بكر: قبض عليه عمرو بن العاص وقتله بمصر6-3.
  3. كنانة بن بشر: قُتل مع محمد بمصر6-4.
  4. محمد بن أبي حذيفة: خرج له معاوية بنفسه في مصر فقتله6-5.
  5. عبد الرحمن بن عديس: قُبض عليه بفلسطين، هرب، فأُدرك وقُتل بجبال لبنان6-6.
  6. عمرو بن الحمق: أُدرك بالموصل فقُتل وبُعث برأسه6-7.
  7. كعب بن عبده (ذو الحبكة): قُتل بالحجاز على يد بُسر بن أبي أرطأة6-8.

ثم أُكملت المهمة لاحقًا: كميل بن زياد وعمير بن ضابئ قُتلا في عهد الحجاج6-9.

معاوية: شرف المروءة

لم يطلب دنيا ولا اعتزال دين؛ بل جسّد قول الحسن: «صاحب الشرف يطلب المعالي». المعالي هنا: القصاص للخليفة المظلوم. ومن هنا صاح حسان: «…وبالأمير معاوية وبالإخوان إخوانا».

1- الشرف في القرآن والسنة

1) الشرف في القرآن

  • ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13].
  • ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ [البقرة: 179].
  • ﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا﴾ [الإسراء: 33].

2) الشرف في السنة

  • «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا… تأخذ فوق يديه»8-1.
  • «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة» (في عثمان)8-2.
  • «كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه»8-3.

3) الشرف في مواقف السلف

  • ابن عون: «لا أعدِل بعثمان أحدًا»8-4.
  • الزبير: «إني مقتول مظلومًا»8-5.
  • صفية: «ردوني ولا يفضحني هذا الكلب»8-6.

خلاصة الفصل

الشرف في الإسلام هو القصاص والعدل، لا الانتساب والقرابة. لذا برز أهل الشام لأنهم جسّدوا الآية المحكمة: ﴿ولكم في القصاص حياة﴾.

الخاتمة: الشرف بين أهل الدنيا وأهل الآخرة

تجلّى الميزان الذي لخّصه الحسن البصري: «لا تطلب صاحب الدنيا… ولا صاحب الآخرة… ولكن صاحب الشرف…»I-1.

  • أهل الدنيا: اعتزلوا وقالوا «فتنة» فضاع الشرف في صمتهم.
  • أهل الآخرة الزائفة: انشغلوا بالنوافل وغفلوا عن فريضة العدل.
  • أهل الشرف: رفعوا راية القصاص… من عثمان ونائلة وصفية، إلى طلحة والزبير وعائشة، إلى معاوية وأهل الشام.

لقد سقطت أول قطرة من دم عثمان على قوله تعالى: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾، وما تزال الآية صرخة في وجه كل من عطّل القصاص وخان الشرف.

أسأل الله أن يجعل ما قدمته زاداً إلى حسن المصير إليه، وعتاداً إلى يوم القدوم عليه، إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.

إن التاريخ هو "علم الماضي لفهم الحاضر واستشراف المستقبل"، وقد قيل "التاريخ يعيد نفسه" وأزيد لكما "نعم، وبالتفصيل".

عثمانَ إذ ظلموه انتهكوا دمه صبحَةَ ليلةِ النحرِ


✍️ شرارة رضا